اللمعات | اللمعة الثالثة والعشرون | 314
(299-336)

الى الاسباب والى الطبيعة يصبح خلق الشيء الواحد وايجاده مشكلاً وصعباً، كخلق الجميع. وحيث اننا سبق ان اثبتنا هذا ببراهين دامغة، نورد هنا ملخص برهان واحد فقط:
اذا انتسب احدٌ الى السلطان بالجندية او بالوظيفة الحكومية، فانه يتمكن ان ينجز من الامور والاعمال اضعاف اضعاف ما يمكنه انجازه بقدرته الشخصية، وذلك بقوة ذلك الانتساب السلطاني. فمثلاً يستطيع ان يأسر قائداً كبيراً باسم سلطانه، مع انه جندي. حيث تحمل خزائن السلطان وقطعات الجيش الاجهزة والاعتدة لما يقوم به من اعمال، فلا يحملها هو وحده، كما انه ليس مضطراً الى حملها. كل ذلك بفضل إنتسابه الى السلطان، لذا تظهر منه اعمالٌ خارقة كأنها اعمال سلطان عظيم، وتبدو له آثار – فوق ما تبدو منه عادةً – وكأنها آثار جيش كبير رغم انه فرد. فالنملة – من حيث تلك الوظيفة – تتمكن من تدمير قصر فرعون طاغٍ، والبعوضة تستطيع ان تهلك نمروداً جبارا بقوة ذلك الانتساب.. والبذرة الصغيرة للصنوبر الشبيهة بحبة الحنطة تنشىء بذلك الانتساب جميع اجهزة شجرة الصنوبر الضخمة(1). فلو انقطع ذلك الانتساب، واعفي الموجود من تلك الوظيفة، فعلية ان يحمل على كتفه قوة ما ينجزه من اعمال وينوء كاهله بلوازمها ومعداتها. وبذلك لا يمكنه القيام بأعمال سوى اعمال تتناسب مع تلك القوة الضئيلة المحدودة المحمولة على ذراعه، بما يناسب كمية المعدات واللوازم البسيطة التي يحملها على ظهره، فلو طلب منه ان يقوم بأعمال كان يقوم بها بسهولة ويسر في الحالة

------------------

(1) نعم، اذا حصل الانتساب، فان تلك البذرة تتسلم امراً من القدر الإلهي، وتنال شرف النهوض بتلك الاعمال الخارقة، ولكن اذا انقطع ذلك الانتساب فان خلق تلك البذرة يقتضي اجهزة وقدرةً ومهارة هي اكثر بكثير مما يحتاج خلق شجرة الصنوبر الضخمة، وذلك لان جميع اعضاء شجرة الصنوبر التي تكسو الجبال وتضفي عليها الجمال والروعة والتي تمثل اثراً مجسماً واضحاً للقدرة الإلهية، يلزم ان يكون موجودة في الشجرة المعنوية التي هي اثر القدر والمندمجة في تلك البذرة، لان مصنع تلك الشجرة الضخمة يكمن في تلك البذرة، وان ما في تلك البذرة من شجرة قدرية تتظاهر بالقدرة الإلهية في الخارج – خارج البذرة – وتتشكل شجرة صنوبر مجسمة. – المؤلف.

لايوجد صوت