ملاحظات كان قد دونت فيه خطة مفصلة لعملية بناء القصر، وخُطّ فيه ايضاً فهرس موجوداته وقوانين ادارة ممتلكاته. ورغم ان ذلك الدفتر كمحتوياته، ليس من شأنه تشييد القصر وتزيينه، اذ لا يملك يداً يعمل بها، ولا بصيرةً يبصر بها، الاّ انه تعلق به اذ وجده متطابقاً بمحتوياته، مع مجاميع اشياء القصر، ومنسجماً مع سير العمل فيه – اذ هو عنوان قوانين الله العلمية – لذا قال مضطراً: (إن هذا الدفتر هو الذي شيد هذا القصر ونظمه وزينه، وهو الذي اوجد الاشياء فيه ورتبها هذا الترتيب ونسقها هذا التنسيق)… فكشف بهذا الكلام عن مدى عمق جهله، وتأصل حماقته.
وعلى غرار هذا المثال تماماً، يدلف الى قصر العالم العظيم – الذي هو ادق نظاماً واكمل إتقاناً، واجمل صنعاً، وازهى جمالاً، من ذلك القصر الصغير المحدود المذكور آنفاً في المثال، حيث لا يقبل المقايسة والموازنه معه، فكل ناحية من نواحيه تشع معجزاتٍ بديعةً وحكماً ساميةٌ – يدلف واحد ممن يدينون بفكرة الطبيعة وبنكرون عظمة الالوهية الى هذا القصر، واضعاً في ذهنه – مسبقاً – الإعراض عما هو مبثوث امامه من آثار صنعه الله سبحانه المنزه عن المخلوقات، المتعالي عن المكنات.. ويبدأ بالبحث والتحري عن السبب (الموجد) ضمن الممكنات والمخلوقات! فيرى قوانين السنن الإلهية، وفهارس الصنعة الربانية. والتي يطلق عليها خطأ – وخطأ جسيماً – اسم الطبيعة التي يمكن ان تكون شبيهة بصفحة من كراسة (التغيير والتبديل) لقوانين اجراءات القدرة الإلهية، وبمثابة لوحة (المحو والاثبات) للقدر الإلهي، ولكنه ينبري الى القول:
مادامت هذه الاشياء مفتقرة الى علةٍ موجدةٍ، ولا شيء اعظمُ ارتباطاً بها، من هذه (الكراسة) فاني أخلصُ من ذلك الى ان هذه (الكراسة) – بما تتضمنه من قوانين المحو والاثبات – هي التي اوجدت الاشياء، مادامت، لا يطيبُ لي الاعتقاد والإيمان بالصانع