الاصحاء، بل عليك النظر – من زاوية الصحة – الى اولئك العاجزين من المرضى الذين هم ادنى منك درجة.
فانت مكلف اذاً بالشكر الجزيل. فاذا كانت يدُك مكسورةً فتأمل الايدي المبتورة واذا كنت ذا عين واحدة فتأمل الفاقدين لكلتا العينين.. حتى تشكر الله سبحانه.
نعم، فليس لأحد في زاوية النعمة حق بمدّ البصر الى من هو فوقه، لتتأجج نار الشكوى المحرقة عنده، الاّ انه عند المصيبة يتحتم على المرء من زاوية المصيبة النظر الى من هو اشد منه مصيبة واعظم مرضاً ليشكر بعد ذلك قانعاً بما هو فيه. وقد وضح هذا السرّ في بعض الرسائل بمثال مقتضاه كالآتي:
(شخص يأخذ بيد مسكين ليُصعدهُ الى قمة منارة، ويهدي اليه في كل درجة من درجات المنارة هدية. واخيراً يختم تلك الهدايا بأعظم هدية يهبها له عند قمة المنارة. واذ كان المفروض على هذا المسكين ان يقدم الشكر والامتنان ازاء الهدايا المتنوعة، تراه يتناسى كل تلك الهدايا التي اخذها عند تلك الدرجات، او يعدّها غير ذات بال، فلا يشكر، رافعاً ببصره الى مَن هو اعلى منه شاكياً قائلاً: لو كانت هذه المنارة اعلى مما هي عليه، لأبلغ اعلى درجة من هذه الدرجات! لِمَ لم تصبح مثل ذلك الجبل الشاهق ارتفاعاً او المنارة المجاورة؟…).
وهكذا اذا قام هذا الرجل بهذه الشكوى، فما اعظم ما يرتكبه من كفران بالنعمة وما اعظم ما يقترف من تجاوز على الحق!
وكذا حال الانسان الذي اتي الى الوجود من العدم ولم يصبح حجراً ولاشجراً ولا حيواناً، بل كان انساناً مسلماً وقد تمتع كثيراً بالصحة والعافية، ونال درجة من النعمة سامية… مع هذا يأتي هذا الانسان ويُظهر الشكوى من عدم تمتعه بالصحة والعافية نتيجة بعض العوارض، او لاضاعته النِعَم بسوء اختياره، او من سوء الاستعمال، او لعجزه عن الوصول اليها، ثم يقول: (ياويلتا ماذا جنيت حتى حلّ