اللمعات | اللمعة الخامسة والعشرون | 377
(355-383)

نعم، ان شئت فاسأل شخصاً ثرياً عاطلاً، كل شيء عنده على مايرام. اسأله: كيف حالك؟ فستسمع منه حتماً عبارات أليمة وحسرة مثل: آه من هذا الوقت.. انه لا يمرّ.. ألا تأتي لنبحث عن لهو نقضي به الوقت.. هلم لنلعب النرد قليلاً..!. او تسمع شكاوى ناجمة عن طول الامل مثل: ان أمري الفلاني ناقص.. ليتني افعل كذا وكذا.. اما اذا سألت فقيراً غارقاً في المصائب او عاملاً كادحاً: كيف حالك؟ فان كان رشيداً فسيقول لك: اني بخير والحمد لله وألف شكر لربي، فاني في سعي دائم.. ياحبذا لو لم تغرب الشمس بسرعة لا قضي ما في يدي من عمل. فالوقت تمر حثيثاً والعمر يمضي دون توقف، ورغم اني منهمك في الواقع، الا أن هذا سيمضي ايضاً، فكل شيء يحث خطاه على هذا المنوال..!. فهو بهذه الاقوال انما يعبر عن قيمة العمر واهميته ضمن اسفه على العمر الذي يهرب منه، آسفاً على ذلك.. فهو يدرك اذاً ان لذة العمر وقيمة الحياة بالكدّ والمشقة، اما الراحة والدعة والصحة والعافية فهي تجعل العمر مراً وتثقله بحيث يتمنى المرء الخلاص منه بسرعة.
ايها الاخ المريض! اعلم ان اصل المصائب والشرور بل حتى الذنوب انما هو العدم كما اثبت ذلك اثباتاً قاطعاً ومفصلاً في سائر الرسائل، والعدم هو شرّ محض وظلمة تامة. فالتوقف والراحة والسكون على نسق واحد ووتيرة واحدة حالات قريبة جداً من العدم والعبث، ودنوّها هذا هو الذي يُشعر بالظلمة بالموجودة في العدم ويورث ضجراً وضيقاً. اما الحركة والتحول فهما وجودان ويُشعران بالوجود، والوجود هو خيرٌ خالص ونور.
فما دامت الحقيقة هكذا، فان المرض فيك انما هو ضيف مُرسلٌ اليك ليؤدي وظائفه الكثيرة فهو يقوم بتصفية حياتك القيمة وتقويتها ويرتقي بها ويوجه سائر الاجهزة الانسانية الاخرى في جسدك الى معاونة ذلك العضو العليل ويبرز نقوش اسماء الصانع الحكيم، وسينتهي من وظيفته قريباً، ان شاء الله ويمضي الى شأنه مخاطباً

لايوجد صوت