اعلم! ان القرآن لأنه كتابُ ذكرٍ، وكتابُ دعاء وكتابُ دعوةٍ، يكون تكرارُه أحسن وأبلغ بل ألزم. اذ الذكر يُكرَّر، والدعاء يُردَّد، والدعوةُ تُؤكَّد. اذ في تكرير الذكر تنويرٌ، وفي ترديد الدعاء تقريرٌ، وفي تكرار الدعوة تأكيدٌ.
النقطة الثانية:
اعلم! ان القرآن خطاب ودواء ٌلجميع طبقات البشر من اذكى الاذكياء الى اغبى الاغبياء؛ ومن اتقى الاتقياء الى اشقى الاشقياء؛ ومن الموفقين المجدّين الفارغين من الدنيا الى المخذولين المتهاونين المشغولين بالدنيا. فاذاً لايمكن لكل احد في كل وقتٍ قراءة تمام القرآن الذي هو دواء وشفاء لكل احدٍ في كل وقتٍ. فلهذا أدرج الحكيمُ الرحيم اكثر المقاصد القرآنية في اكثر سُوَرٍ؛ لاسيما الطويلة حتى صار كل سورة قرآناً صغيراً، فسهل السَبيل لكل احدٍ. وينادي مشوّقاً ﴿وَلَقَدْ يَسَّرنْا القرآنَ لِلذّكْرِ فَهَل مِنْ مُدَّكِر﴾(القمر:17).
النقطة الثالثة:
اعلم! انه كما ان الحاجات الجسمانية مختلفة في الاوقات؛ فالى بعضٍ في كل آن كالهواء، والى قسم في كل وقت حرارة المعدة كالماء ، والى صنف في كل يوم كالغذاء ، والى نوع في كل اسبوع كالضياء ، والى طائفة في كل شهر، والى بعض في كل سنة كالدواء ، كلها في الاغلب، وقس عليها. كذلك ان الحاجات المعنوية الانسانية ايضا مختلفة الاوقات، فالى قسم في كل آن كـ(هو والله)، والى قسم في كل وقت كـ(بسم الله). والى قسم في كل ساعة كـ(لا اله الا الله) وهكذا فقس.
فتكرار الآيات والكلمات: للدلالة على تكرر الاحتياج، وللاشارة الى شدة الاحتياج اليها، ولتنبيه عرق الاحتياج وايقاظه، وتشويق على الاحتياج، ولتحريك اشتهاء الاحتياج الى تلك الاغذية المعنوية .