اعلم! انك اذا تدهّشت من العذاب وما وُفِّقتَ للعمل، تتمنى عدمَ العذاب، فتتحرى ما ينافيه، فترى الامارات المنافية براهينَ، فتخطفك الشياطين؛ فاستمع بقلب شهيد قوله تعالى:
﴿قُلْ يا عِبَادي الذينَ أسرفوا على أنفُسهِم لاتَقنَطوا مِن رَحمَةِ الله إنَّ الله يَغفِرُ الذُنوبَ جَميعاً إنَّهُ هوَ الغَفورُ الرحيمُ﴾(الزمر:53).
والثاني: العُجُب..
نعم يانفس!(2) ايستَ ثم تَحريتَ ماتستند اليه في مقابلة العذاب، فرأيت محاسنك، فوقعت في ضلالةٍ من باب العُجب، مع انه لاحقَّ لك قطعاً في شئ من الكمالات، فتأمل..
يانفسي! هذا الوجود الذي سكنته ما هو صنعتُك حتى تتملك وما هو لقيطةٌ التقطتها، حتى يُتَمَلَّك. وما هو نتيجة تصادفٍ اعمى واتفاقية عوراء واسباب جامدة حتى يُقتطف ويُتملك. وليس شيئاً رخيصاً بلا اهمية تافهاً سدىً اعرض عنه مالكهُ حتى تأخذَه وتتملَّكه، بل هذا الوجود بعجائب صنعته وغرائب نقشه يدل على انه خرج من يدِ صانعٍ حكيم، مهيمن عليه دائماً..
الا تَرى انه ليس في يدك من تصاريف هذا الوجود من ملايين تصرفاتٍ الاّ تصرفٌ واحد مشكوكٌ هو حجتُه عليك..
وكذا الا ترى انك اشرف الاسباب وأوسعها اختياراً واظهرُ افعالك الاختيارية الاكل والكلام، مع انه ليس في يدك من مائة جزءٍ منهما الاّ جزءٌ واحد..
وكذا ان اضيقَ خاصياتك الاختيارُ واوسَع حواسك الخيالُ، مع ان الخيال لايحيط بالعقل وثمراته، فكيف تُدخِله تحت دائرة الاختيار فتفتخر به؟.
---------------------
(2) ذكّر النفس لان المقصود منه الانسان وفي (ت 59) يا اخي.