ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | قطرة | 110
(80-146)

الحقيقة الثانية:
اعلمي! يا ايتها النفس الامارة! ان لك دنيا هي قصر، واسعة مبنية بآمالك وتعلقاتك واحتياجاتك الى الاكوان، فالحجر الاساس، في ذلك القصر والاصل الاول والعمود الفريد، هو وجودك وحياتك، مع ان هذا العمود مدوّد، وهذا (التمل جوروك) والاساس فاسد ضعيف مهيأ للخراب في كل آن. فليس هذا الجسم بأبديّ ولا من حديد ولاحجر؛ بل من لحم ودم مهئٍ لان يتفرق في كل آن، فبانحلاله تنفلق عنك هذه الدنيا بحذافيرها، فتخرب على رأسك دنياك. فانظري الى الماضي اذ هو قبر واسع خرب على رأس كل ميتٍ كان مِثلُك في دنياه. والمستقبل ايضاً قبر واسع يكون مثله. وانت الآن بين ضغطة القبرين، كما ان امس قبرُ أبي، وغداً قبري، وانا ايضاً بين ضغطة القبرين. فالدنيا مع انها واحدة؛ تداخلتْ واندمجت فيها - لكل احد - دُنياً بتمامها، فهي شخصية كلية، مَن مات قامتْ قيامتهُ..
الحقيقة الثالثة
قد شاهدتُ ان الدنيا بجميع لذائذها حمل ثقيل، وقيدٌ لايرضى بها الا المريضُ الفاسد الروح؛ فبدلاً من التعلقات بالكائنات، والاحتياجات الى كل الاسباب، والتملق لكل الوسائط، والتذبذب بين الارباب المتشاكسين الصم العمي؛ لابد من الالتجاء الى الرب الواحد السميع البصير الذي إن توكلتَ عليه فهو حسبُك.
الحقيقة الرابعة
اعلم! يا انا، ان ما التفت على رأسك من سلاسل الايجاد العلمية، واتصلت بانانيتك من سطور الصنائع الشعورية، وما اخذت بايدي حوائج ذاتك من وسائل المدد والاجابة، تدل على ان موجدك وصانعك ومغيثك يسمع انينات(1) فاقاتك، فيتحنن لها، ونداء حاجاتك وآمالك، فيتعرف بتعهّدها؛(2) اذ ذلك الصانع والموجد يغيث ويلبي نداء حاجة حجيراتك الصغيرة بالمشاهدة؛ فكيف لايجيب ولايغيث - وهو السميع البصير - لدعائك.
----------------

(1) الانين: صوت توجع وألم .. ج : انات . والمقصود هنا انين كل فاقة.
(2) اي: بتعهده وتفضله سبحانه لتلك الحاجات يتعرف اليه الانسان.

لايوجد صوت