نعم! ان القرآن انبتَ شجرةً هكذا فانقلبت كل نويّاته دساتير عملية واشجاراً مثمرةً، تشكل وتركب منها هذا العالمُ الاسلامي بمعنوياته واعماله، فأخذ منها كلُّ الافكار فتَصَّرفَ فيها الى الآن حتى صارت حقائقهُ العلوية العالية علوماً متعارفة ومُسَلّماتٍ. فيقوم احدٌ ويأخذ من تلك الحقائق ويتصرف فيها بتغيير الصورة، فتزيل منها العقدةَ الحياتية. ثم على زعمه يزيّنها بتهوسه، فيوازن ذوقه الفاسد بينه وبين الآيات. فكيف يمكن الموازنة بين الصورة العَرضَية التابعة المنحوتة بهوس الصبيان في جواهر منتظمة ودرر منثورة، وبين تلك الجواهر والدرر نفسها؟
ولقد شاهدتُ ان مشاهدة جمال القرآن تابعةٌ لدرجةِ سلامة القلب وصحته. فمريضُ القلب لايشاهد الاّ ما يشوّه له مرضه. فاسلوب القرآن والقلب كلاهما مرآتان ينعكس كلُّ واحدٍ في الآخر.
نكتة(1).........(2)
نكتة:
ولأن الايمان يؤسس الاخوة بين كل شئ، لايشتد الحرصُ والعداوةُ والحقد والوحشة في روح المؤمن؛ إذ بالدقة يرى اعدى عدوه نوع اخٍ له.. ولأن الكفر يؤسس اجنبيةً وافتراقاً - لا الى اتصال - بين كل الاشياء، يشتد في الكافر الحرصُ والعداوةُ والتزام النفس والاعتمادُ عليها. ومن هذا السر صاروا غالبين في الحياة الدنيا. ولأن
-----------------------
(1) النكتة: هي مسألة لطيفة اخرجت بدقة نظر وامعان فكر ، وسميت المسألة الدقيقة نكتة لتأثير الخواطر في استنباطها (التعريفات للجرجاني).
(2) في (ط1): نكتة: (اعلم) ان ما يُرى على كل شئ من اثر الشعور والعلم والبصر فيه إطلاق يشير الى عدم التناهي ، لا يتيسر للمقيّد المتناهي -من الشعور والعلم والبصر- ذلك التأثير . وان ذرة الاطلاق وعدم التناهي اجلّ واعظم بلا حدّ من المحدود المقيد.. فإن شئت تقريب هذه الحقيقة الى الفهم فانظر الى (عالم المثال) الذي هو اقرب الى الاطلاق من عالم الشهادة المقيد، ترَ ذرة من جرم شفاف - الذي هو منفذ من هنا الى عالم المثال - يمكن ان تسع - تلك الذرة من الصور المثالية ما لا تسع الارض من اعيانها.