الكافر يرى في الدنيا مكافأة حسناتِه في الجملة، والمؤمن يرى جزاءَ بعضَ سيئآته في الدنيا؛ صارت (سجن المؤمن وجنة الكافر)(3).
واعلم: ان اكسير الايمان اذا دخل في القلب يصيّر الانسان جوهراً لائقاً للابدية والجنة، وبالكفر يصير خزفاً خالياً فانياً. اذ الايمانُ يرى تحت القشر الفاني لباً لطيفاً رصيناً، ويرى مايُتوهم حَباباً مُشمساً زائلاً، ألماساً متنوراً. والكفر يرى القشر لباً فيتصلب فيه فقط. فتنزل درجة الانسان من الألماس؛ الى الزجاجة بل الى الجمد، بل الى الحباب، هكذا شاهدتُ..
نقطة
قد شاهدتُ ازدياد العلم الفلسفي في أزديادِ المرض، كما رأيت ازدياد المرض في ازدياد العلم العقلي. فالامراض المعنوية توصِلُ الى علوم عقلية، كما ان العلوم العقلية تولّد امراضاً قلبية.
وكذا شاهدت الدنيا ذات وجهين:
وجه: ظاهرهُ مأنوس في الجملة مؤقتاً، باطنهُ موحشٌ الى مالايحد.
ووجه: ظاهره موحِش في الجملة، وباطنهُ مؤنس الى مالانهاية.
فالقرآن يوجّه الانظار الى الوجه الثاني، الذي يتصل بالآخرة. والوجه الاول الذي يتصل بالعدم ضد الآخرة، وضرّتها ومعكوستها حسنه قبيحها، قبيحه حسنها.
وكذا شاهدتُ ان ما في الممكن من وجه الوجود بالانانية يوصِل الى العدم وينقلبُ اليه، وما فيه من وجه العدم بتركِ الانانية ينظرُ الى الوجود الواجب. فان اَحببتَ الوجودَ فانعدم لِتَجِد الوجود..
-------------------------
(3) (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ): رواه مسلم (2959) كتاب الزهد، وابن ماجة (4113) كتاب الزهد، والترمذي (2324) كتاب الزهد ايضاً. ورواه احمد في مسنده (2/458) وكلهم عن ابي هريرة.