اعلم! ان ما انعم الله عليك من وجودك وتوابعه، ما هو الا اباحة وليس بتمليك. فلك ان تتصرَّف فيما اعطاكَ كما يرضى مَن أعطى، لا كما ترضى انت. كمن أضاف احداً، ليس للضيف ان يُسرف او يَصرف فيما لا اذن للمضِّيف فيه..
اعلم! يامن يستغرب الحشر الاعظم ويستبعده! ألا تنظر الى ما بين يديك مما لايحصى من انواع الحشر والنشر والقيامات الخصوصية! وكيف تستبعد القيامة الكبرى مع مشاهدة مالايحد من القيامات في كل سنة، حتى في كل شجرة مثمرة او مزهرة؟ وان شئت اليقين الشهودي، فاذهب مع عقلك في آخر الربيع والصيف الى تحت شجرة التوت او المشمش، مثلا.. وانظر كيف حُشرت ونُشرت هذه الثمرات الحلوة الحية.. والمخلوقات الطرية اللطيفة النظيفة. كأنها اعيانُ الثمرات اللاتي ماتت في السنة الخالية. فهؤلاء الثمرات المنشورة المنثورة اللاتي يضحكن في وجهك، ما هي الاّ اخوات الميتات الخاليات وامثالها كأنها هي. ولو كانت لها (الوحدة الروحية) كالانسان كانت هي إياها، أي عينُها، لامثلها!.. ثم تأمل في الشجرة مع يبسها وجمودها وحقارتها وصغرها، مع ضيق مجاريها واشتباك مسيل حَمَلة ارزاق الازهار والاثمار.. كيف صارت تلك الشجرة برأسها عالَماً عجيباً، يصور للمدقق تمثال ﴿وإذا القُبورُ بُعثِرَت﴾(الانفطار:4). الحق ان القدرة التي تنشر من الشجرة اليابسة هذه المصنوعات اللطيفة لايتعسر عليها شئ ما في الامكان. آمنا..