ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | ذيل الحباب | 198
(193-206)

(شمندوفر)(1) يسرع سرعة شديدة، ثم مدَّ يدَه - في وسط الطريق وفي آن السرعة - الى ازاهير ذات اشواك مفترسة في جانب الطريق، فمزّقت الاشواكُ يده.. فلا يلومنّ الا نفسه. فاذا كان هذا هكذا.. فلا تمدنّ عينيك ولايديك الى زهرة الدنيا، فان اشواكَ الآم الفراق تمزّق القلوب في آنِ التلاقي؛ فكيف بوقت الفراق!
فيا نفسي الامارة بالسوء! اعبدي مَن شئت وادّعي ماشئت.. وأما انا فلا اعبدُ الاّ الذي فطرني واقَتَدَر على ان سخر لي الشمس والقمر والارض والشجر، ولااستمدُّ الا ممن حَملني في طيارة العمر السابح في فضاء محيط القَدر، وسخّر لي الفلكَ الدائر الطائربين النجوم السيارات، وأركبني في (شمندوفر) الزمان المار كالبرق في اخدود الارض وتحت جبل الحياة الى باب القبر في طريق ابد الآباد.. وانا قاعد باذنه وتذكرته في (واغون)(2) هذا اليوم المتصل طرفاه بحلقتي الامس والغد.. ولا ادعو ولا استغيث الاّ مَن يقتدر على توقيف (جرخ الفَلَك)(3) المحرك ظاهراً لفُلكِ الارض.. وعلى تسكين حركة الزمان بجمع الشمس والقمر.. وعلى تثبيت هذه الدنيا المتغيرة المتدحرجة من شواهق الوجود في اعماق أودية الفناء والزوال بتبديل الارض غير الارض؛ اذ لي آمال ومقاصد متعلقة بكل شئ، تبقى آمالي ملتزقة على مايمر عليه الزمان، وتذهب عليه الارض وتفارقه الدنيا، ولي علاقة ولذة بسعادة كل صالح من اهل السموات والارض. ولا اعبد الاّ مَن هو؛ كما يسمع ادقّ هواجس سري ويصلح لي ارق آمال قلبي وميوله.. كذلك يقتدر مع ذلك على ما يتمناه عقلي وخيالي من تحصيل السعادة الابدية لنوع البشر باقامة القيامة وتقليب الدنيا بالآخرة؛ فيصل يدهُ الى الذرة والى الشمس، فلا تتصاغر الذرةُ مختفية عن تصرفه، ولايتكبر كبر الشمس على قدرته.. اذ هو الذي اذا عرفتَه انقلبت لك الآلامُ لذائذَ، وبدونه تُنتج العلومُ اوهاماً.. والحِكَمُ اسقاماً.. بل هي هي.

----------------------

(1) اي: القطار، وتوضيح المسألة في الكلمة الثالثة والعشرين.
(2) عربة من القطار.
(3) دولاب العالم، اي المقدرات

لايوجد صوت