سنتكم، بل في يومكم، تلبسون وتخلعون هذا الجسم كلباسكم صباحاً ومساءً يتجدد عليكم جسمكم كلباسكم(3).
اعلم! فيا عجباً من بلاهة النفس!.. ترى في نفسها اثر المصنوعية والمملوكية والتربية من طرف ربّ مختار حكيم، ثم تنظر الى امثالها من سائر الافراد والانواع والاجناس، فيتظاهر سر كلية القاعدة وشمول الفيض، وتحلب نوع اجماع وتصديق فعلي، فكان لازماً عليها ان تطمئن بتفطن سر: (كلية القاعدة ودستورية الحادثة) . والحال انها تتخيل ما يقوي تجليات الاسماء عليها من عموم تجلياتها في دائرة الآفاق سبب الضعف وواسطة التستر وامارة الاهمال وعلامة انه لارقيب عليها فتقول: اتسعَ فامتنع.. عَظُم فَعَدِم. فهذه مغلطة يخجل منها الشيطان ايضاً..
اعلمي! ايتها النفس المتضجرة القلقة.. ان كل احوالك في التعين، والنقش في جبهتك بقلم القَدر، كطلوع الشمس وغروبها. فان اردت ان تضربي سندان القدر برأسك العليل، فتضجّري. واعلمي يقيناً، ان من لايستطيع ان ينفذ من اقطار السموات والارض، لابد ان يرضى رضاء محبةٍ بربوبيةِ مَن ﴿خَلقَ كلَّ شئٍ فَقَدَّرهُ تَقديراً﴾(الفرقان:2).
اعلم! لو كان صانع الشئ في الشئ لناسَبه، ولَتَنَوعَ بعدد الاشياء . واذا لم يكن فيه فلا ، كهذا الكتاب : يُكتب بقلم واحد مع انه لا يُطبع الا بحديدات مصنوعة ، موضوعة تحته عدد حروفه، ولو تَنَبَّتَتْ نقوش الصنعةِ المتقنة في شئ منه وتحلّبت ثمراتُها وترشحت حروفُها من نفسه وإمكانه ، لا نبثتْ وانتثرتْ وانتشرتْ ولخرجت عن الانتظام . لكن فيها استقرار تام وانتظام كامل فلم ينكتب نقشَ الشئ منه ولن ينكتب منه ابداً ، بل يُكتب عليه بقلم القُدرة على مِسطَر القَدَر. .
------------------------
(3) تفصيله في اشارات الاعجاز - في تفسير قوله تعالى ﴿وبالآخرة هم يوقنون﴾ - المؤلف.