ورابعاً: لانه اذا تمسكتَ به كان في يدك نقطة وجودٍ فقط، ويحيط بك مالايتناهى من الأعدام الهائلة.. واذا نَفَضْتَ يدك منه استبدلت لمعةً بشمس فينقلب محيطُكَ الى مالايتناهى من انوار الوجود.
واما لذائذ الدنيا؛ فقِسمتُكَ تأتيك، فلا تَطِشْ في طلبها.. ولزوالها بسرعة لايليق بالعاقل تعليقُ القلب بها. وكيف ما كانت عاقبة دنياك فتركُ اللذائذ أولى؛ اذ إماالى السعادة، وهي تستلزم تركها.. وإما الى الشقاوة، ومَن ينتظرُ الصَلبَ كيف يلتذُّ ويَستعذِبُ ما يزيد عذابهُ من تزيينات آلات الصَلب؟ وان توهمتَ بالكفر العدمَ - العياذ بالله - فأولى بالترك؛ اذ بزوال اللذة يحسُّ ذلك العدم الهائلُ ألمه الاليم آناً فآناً في ضمن زوال اللذائذ، وهذا الالمُ اثقلُ بمراتب من لذة الوصال إن كنت تشعر..
اعلم! ان مثلك وقد تصيب رأسَك المصائبُ المرماةُ (بالقدر) ، كمثل اغنام مُرسَلة في المرعى، يراها الراعي قد تجاوزت، فيرمي الاحجار خلفها لترجع، فيقول المُصابُ رأسُه بلسان الحال: نحن تحت أمر الراعي، وهو أعرفُ بنا منا فلنرجع.. فيرجع.. فيرجعون..
فلاتكوني يانفسي اضلّ من الغنم!. فقولي عند المصيبة:﴿إنّا لله وإنّا اليه راجِعُون﴾(البقرة:156)..
اعلم! ان من الدليل على ان القلب ماخُلق للاشتغال بامور الدنيا قصداً؛ انه: اذا تعلق بشئٍ تعلّق بشدةٍ، واهتمّ به اهتماماً عظيماً، ويتطلب فيه أبديةً ودواماً.. ويفنى فيه فناءاً تاماً. واذا مدّ يده يَمُدّ يداً تطيق ان تقبضَ على الصخور العظيمة وتَرفَعَها، مع ان ما يأخذه بتلك اليد من الدنيا، انما هو تينةٌ او تبنةٌ او ريشةٌ او شعرةٌ او هباءٌ او هواءٌ..
نعم القلب مرآةُ الصمد؛ فلايقبل حجرَ الصنم بل ينكسرُ به. والعاشق المجازي يرى ظُلمَ معشوقه في الأكثر، بسرّ: ان المعشوق