ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | حبـة | 217
(207-231)

اعلم! ومن الغرائب ان العقل الذي يتطاول الى الاحاطة بالعالم والنفوذ الى الخارج والخروج من دائرة الامكان، يغرق في قطرة.. ويفنى في ذرة.. ويغيب في شعرة.. وينحصر الوجود عنده فيما فنى فيه.. ويريد ان يدخل معه كل ما احاط به في النقطة التي بَلَعته(1)..
اعلم! انه لو كان المُلك لك لتنغّص عليك التنعم بتكلف التعهد والتحفظ والتخوف. والمنعمُ الكريم يتعهد كل لوازمات النعمة.. وما يفوّض اليك الاّ التنعم والتناول من سُفرة احسانه. والشكر الذي يزيد لذةَ النعمة.. اذ الشكر رؤية الاِنعام في النعمة ورؤية الاِنعام تزيل ألمَ زوال النعمة؛ اذ تزولُ النعمة حينئذٍ فلا تعطي موضعها للعدم حتى تُؤلم، بل تُخلي الموقعَ لمجئ المثل كالثمرة، فتعطيك لذة التجدد. ﴿وآخرُ دعْويهُم اَنِ الحمدُ لله رَبّ العَالمين﴾ (يونس:10) يدل على ان الحمدَ عينُ اللذة. نعم، ان سر الحمد؛ رؤية شجرةِ الاِنعام في ثمرة النعمة. فيزول المُ تصوّر الزوال فيُلتَذ بنفس الحمد..
اعلم! ان المعلومات الآفاقية لاتخلو عن الاوهام والوساوس. واما اذا استندت الى الأنفس واتصلت بالوجدانيات المشعورة بالذات، تصفّت عن الاحتمالات المزعجة. فانظر من المركز الى المحيط، ولاتعكس فتنتكس.
اعلم! ان هذه المدنية السفيهة المصيرة للارض كبلدة واحدة، يتعارف اهلُها ويتناجون بالاثم ومالايعني(1) بالجرائد صباحاً ومساءً، غَلُظَ بسببها وتكاثفَ بملاهيها حجابُ الغفلة، بحيث لايُخرق الاّ بصرف همةٍ عظيمة. وكذا فتحت لروح البشر منافذ غير محدودة نظّارة الى الدنيا يتعذّر سدُّها الاّ لمن خصّه الله بلطفه..
------------

(1) نعم ! ان اكبر فلاسفة الارض عقلاً يغرق في قطرة من الالم، ويفنى في ذرة من المحبة ، ويغيب في شعرة من السرور، وينحصر الوجود عنده في لحظة فناء باهتماماته، ويجهد ان يسحب معه كل معارفه الوجودية الى عمق النقطة التي ابتلعته.
(1) وما لا يعني من الامور التي تلهي الانسان.

لايوجد صوت