ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | حبـة | 222
(207-231)

فسبحان الله ما اعظم فضل الله على الانسان يشتري بثمن غال من الانسان مالاً له وديعة عند الانسان ليحمله عنه.. ويبقيه له.. ويحميه مما يفسده. مع ان الانسان ان تملّكه ولم يبعه وقع في بلاءٍ عظيم في تعهّده بقدرة لاتكفي - من الوف مصالحه - بواحد.. ولو تحمله بنفسه على ظهره لأنقضّ ظهره. ولو امسكه بنفسه لزال سريعاً وذهب مجاناً وفنى مورثاً لآثامه واثقاله على مالكه الكاذب.
اعلم! انه انني مصداق لما قيل:
وعيني قد نامت بليلِ شبيبتي ولم تنتبه الاّ بصبح مَشيب
إذ اشد اوقات انتباهي في شبيبتي رأيته الآن اعمقَ طبقات نومي!.. فالمتنورون المتنبهون في عرف المدنيين كانتباهي فيما مضى، مَثَلُهم كمثل مَن رأى في رؤياه انه انتبه وقص رؤياه على بعض الناس. والحال انه بهذا الانتباه مرّ من طبقة النوم الخفيفة الى الطبقة الكثيفة. فمن كان هكذا نائماً كالميت كيف يوقظ الحي الناعس، وكيف يُسمع الناعسَ ما يتكلم به من وراء حُجب نومه المضاعف! ..
ايها المتنبهون النائمون! لاتتقربوا الى المدنيين بالمسامحة الدينية والتشبه، ظناً منكم انكم تصيرون جسراً بيننا وبينهم، وتملأون الوادي بيننا. كلاّ، ان المسافة بين المؤمنين والكافرين غير محدودة، والوادي بيننا في غاية العمق لاتملأونه، بل تلتحقون بهم او تضلون ضلالاً بعيداً! ...
اعلم! ان في ماهية المعصية(1) - لاسيما اذا استمرت وكثرت - بذر الكفر.. اذ المعصية تولد الُفةً معها وابتلاء بها، بل تصير داءً، دواؤها الدائمى نفسها، فيتعذر تركُها. فيتمنى صاحبُها عدَم عقابٍ عليها، ويتحرى بلا شعور ما يدل على عدم العذاب، فتستمر هذه الحال حتى تنجر الى انكار العذاب وردّ دار العقاب. وكذا ان خجالة

---------------------

(1) توضيح هذه المسألة في اللمعة الثانية من (اللمعات).

لايوجد صوت