ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | حبـة | 224
(207-231)

والحاصل: ان القرآن الحكيم كتاب ذكر، وكتاب فكر، وكتاب حُكم، وكتاب علم، وكتاب حقيقة، وكتاب شريعة، وشفاء لما في الصدور، وهدىً ورحمة للمؤمنين.
اعلم! ان من اعاجيب فطرة الانسان في وقت الغفلة، التباس احكام اللطائف والحواس.كالمجنون الذي يصل نظرُه الى شئ، فيمدّ يدهُ اليه ظناً منه - لمجاورة العين لليد - ان مايحصل بتاك، يحصل بهذه ايضاً. فالانسان الغافل الذي لايصل يد اقتداره الى تنظيم أدنى جزء من اجزاء نفسه يتطاول بغروره وبوسعة خياله الى الحكم والتحكم في افعال الله في الآفاق.. وكذا من اعجب فطرة البشر ان افراده، مع تقارب درجاتها في الصورة الجسمية، تتفاوت معنىً بدرجات، كما بين الذرة الى الشمس الى شمس الشموس خلافاً لسائر الحيوانات؛ اذ هي مع تفاوت افرادها في الصور الجسمية، كالسمك والطير، تتقارب في قيمة الرّوح؛ فكأن الانسان الذي قام من (مخروط الكائنات) في حاق الوسط(2)، منه الى الذرة ومنه الى شمس الشموس سوآء؛ اذ لم يُحدَّد قواه ولم تُقيّدْ، أمكَنَ له ان يتنزل ويتسفل (بالانانية) الى ان يكون هو والذرة سواء. وكذا جاز له ان يتجاوز بالعبودية وبترك (انا) ويتصاعد باذنه تعالى الى ان يصير بفضل الله كشمس الشموس مثل محمد عليه الصلاة والسلام.
اعلم! ان الاصل في الشئ البقاء، حتى ان الامور السيالة السريعة الزوال كالكلمات والتصورات لها ايضاً مواضعَ أُخر يتحصنون فيها من الزوال. لكن يتطورون في الصوّر، حتى كأن الاشياء موظفون لحفظ الشئ إما بتمامه كالنوراني، او وجهٍ من الشئ، يسارعون بكمال الاهتمام لأخذه ووضعه في قلوبهم الشفافة.
----------------

(2) الحاق: الوسط، والكامل في الشئ.

لايوجد صوت