والنبوة، والحشر، والعدالة) . فبسر امتلائه من التوحيد، التأم وامتزج وانتظم واتحد.
ومن كان له عين في بصيرته، يرى في التنزيل عيناً ترى كل الكون، كصحيفة مبصرة واضحة.. وقد جاء مكرراً ليقرّر.. ومردّداً ليحقق قصصاً واحكاماً. مع انه لايُملُّ تكرارهُ، ولايُزيل عَوْدهُ ذَوْقَه ولايُسئمُ تردادهُ. كلما كرّر حقّق وقرّر، بل ما كررته تحلو وتفوحُ انفاسُ الرحمن منه (ان المسك ماكررته يتضوّع) . وكلما استعدتَه استَلذْتَه؛ ان كان لك ذوق سليم بقلب غير سقيم. والسر فيه: انه قُوتٌ وغذاءٌ للقلوب، وقوة وشفاء للارواح. والقوت لايُملُّ تكرارهُ.. فمألوفه آأنس وألذ، خلاف التفكّه الذي لذتُه في تجدده، وسآمتهُ في تكرره.
وكما ان الانسان في حياته المادية يحتاج في كل آنٍ الى الهواء، وفي كل وقتٍ الى الماء، وفي كل يوم الى الغذاء، وفي كل اسبوع الى الضياء، في الاكثر.. فتتكرر هذه الامور لتكررّ الحاجات، فلا تكون تكراراً.. كذلك ان الانسان بجهة حياته الروحانية ايضاً؛ يحتاج الى انواع مافي القرآن؛ فإلى بعضٍ في كل دقيقة بل في آن سيال كـ: (هو.. الله) فبه يتنفس الروحُ.. والى بعضٍ في كل ساعة كـ: (بسم الله) .. والى بعض في كل وقت.. والى بعض في كل زمان متدرجاً بدرجات الاحتياج، فيكرر القرآن على ما تقتضيه حياة القلب تكراره.
مثلاً: (بسم الله) كالهواء النسيمي يطهِّر الباطن داخلاً ويثمر خارجاً في نَفْسِك كَنفَسِك في جسمك.. وايضاً في تكرار القرآن بعض الحادثات الجزئية اشارة الى ان الحادثة الجزئية تتضمن دستوراً كلياً، كما اشرتُ الى بعض من جمل قصة (موسى) عليه السلام التي هي اجدى من تفاريق العصا(1).
----------------
(1) مثل يضرب فيمن نفعه اعمّ من غيره (مجمع الامثال 1/37).