لاتسع اصبعين لبعوضتين، فكيف تسع ما لايسعه كلُّ الكون من تصرف الهين؟ فدليل الوحدة هو الوحدة. وزجيجة - كخردلة - يمكن ان توجد فيها الشمسُ بضيائها والوانها وحرارتها بالتجلي بكمال السهولة، ولايمكن وجود خردلتين في خردلةٍ بمصدريتها لهما.
فكما ان الوجود الخارجي اثبتُ واثقلُ واحكمُ من الوجود المثالي، فتسع ذرةُ ذاك جبلَ هذا، وشمسُ هذه تدخل في لمعةِ ذاك.. كذلك الوجود الوجوبي اثبت وارسخ وارزن وارصن بل هو الوجود الحقيقي والخارجي البحت، واحقّ بما لايُحد من الوجود الامكاني، فالموجودات الامكانية بحذافيرها المتمثلة في مرآة العلم الازلي المحيط تصيرُ كالمرايا لتجليات انوار الوجود الوجوبي. فالعلمُ مرآتُها، وهي مرآة الوجود الوجوبي. فوجودها خرج من مرتبة العلم الى الوجود الخارجي، ولم يصل الى مرتبة الوجود الحقيقي...
اعلم! انه من تأمل في الكون يتحدس منه: ان الفاعلية والتأثير من شأن اللطيف، والنوراني، والمجرد.. وان الانفعال والقابلية والتأثر من شأن المادي والكثيف والجسماني.
فان شئت انظر الى النور والى الجبل، فالاول: يقوم في السماء، ويدهُ الرقيقة اللطيفة في الارض فعالة جوالة. والثاني: بعظمته وباياديه الغليظة لايقتدر على فعل وتأثير حتى في لصيقه وجاره.. وكذا نرى في تفاعل الاشياء في الظاهر: ان بدرجة لطف الشئ ونورانيته تظهر مرتبة السببية فيه، وبالكثافة يتقرب الى درجة المسَبَّب. فيُعلم من هنا ان خالق الاسباب الظاهرية وموجد المسَّببات هو نورُ الأنوار الذي: ﴿لَيسَ كَمثلهِ شَئٌ وهوَ السميعُ البصير﴾(الشورى:11) ﴿لاتُدْرِكهُ الأبصارُ وهو يُدركُ الابصارَ وهوَ اللطيفُ الخبير..﴾(الانعام:103) لا إله الاّ هو...
اعلم! ان التفكر نور يُذيبُ الغفلة الباردة الجامدة، والدقةُ نارٌ تحرق الاوهامَ المظلمةَ اليابسة، لكن. اذا تفكرتَ في نفسِك فدقّق