ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | زهرة | 266
(255-282)

كل الآلام؟ فهل يقال لمن روحُه مع قلبه في جهنم، وجسمُه في جنةٍ كاذبة زائلة: انه مسعود؟
فاستمع ايها الروح المفسد لما يتلى عليك، اذكر لك واحداً فقط، من الوفِ المهالك التي اوقعت البشر فيها، واقدّم لايضاحه مثالاً.
مثلا: ههنا طريقان؛ فذهبنا في هذه، فنرى في سيرنا بمد النظر في مدة السفر عند كل خطوة رجلاً عاجزاً يتهاجم عليه رجالٌ غُلَّب يغتصبون ماله ودوابَه ويخرّبون بيتَه، وقد يجرحونه بحيث تبكي عليه السماء، فاينما نظرنا نرى الحال على هذا المنوال بحيث لاتسمع الاّ صيحات الظالمين ونياحات المظلومين، فطمّ عليهم المأتم العمومي. فبسر:(ان الانسان يتألم بألم الغير) والحال ان الوجدان لايتحمل التألم بهذه الدرجة، يضطر الناظرُ للتجرد عن الانسانية والتزام نهاية الوحشة بتبطّن قلبٍ لايبالي بهلاك الناس عند سلامته.
فيا اوروبا اهديت بدهائك الاعور لروح البشر هذه الحالة الجهنّمية، ثم تفطنت لهذا الداء العضال دواءً لإبطال الحسّ في الجملة، وهو الملاهي الجذابة والهَوسات الجلابة. فتعساً لك ولدوائك..
ثم ذهبنا في الطريق الاخرى؛ فترى في كل منزل وفي كل مكان وفي كل بلاد عساكر موظفين منتشرين في الآفاق والطرق، فيجيئ بعض المأمورين فيرخّصون(1) بعضهم من الوظيفة ويأخذون سلاحهم ودوابهم ولوازماتهم الميرية ويعطون لهم تذكرة الاذن، فيفرحون بالترخيص وبالرجوع الى المَلِك وزيارته باطناً، وان حزنوا بترك المألوف ظاهراً. ونرى انه قد يصادف المأمورون نفراً عجمياً لايعرفهم فيقول لهم: انا عسكر السلطان وفي خدمته، واليه ارجع، فان جئتم باذنه ورضائه فعلى الرأس والعين، والاّ تَنَحوا عني لأقاتلنكم وحدي ولو كنتم اُلوفاً، لا لنفسي بل لحفظ امانة مالكي، وحماية حيثية سلطاني وعزته. وهكذا نرى في مد طريقنا ومدة سفرنا تحشيدات

---------------------

(1) اي يسرحونهم من الوظيفة.

لايوجد صوت