......... (1)
اعلم! ان الفذلكات المذكورة في اواخر الآيات، لاتنظر الى تلك الآية التي هي فيها فقط، بل تنظر الى مجموع القصة، بل الى تمام السورة، بل الى جميع القرآن؛ لتساند الايات وتلاحظها وتناظرها، فلا تزن ما في الفذلكة بميزان مآل آيتها فقط، ولاتحمل عظمتها على حُكمٍ جزئي مُهّد المحلُ لذكرها، والاّ بَخَسْتَها حقَّها. مثلاً قال﴿وكَذلكَ نُفصِّلُ الآيات﴾(الاعراف:174)﴿ولقدْ صَرَّفنا في هذا القرآن﴾ (الاسراء:41) ﴿ولقد ضَربنا للناسِ في هذا القرآن من كلِّ مثل﴾(الروم:58) ﴿وانّ الله عَزيزٌ حكيم﴾(التوبة:71) ﴿وانّ الله عَليمٌ قَديرٌ﴾(النحل:70) ومثل ﴿لعَلّكم تَذَكَّرون﴾(الذاريات:49) و ﴿لعلَكم تتقونَ﴾(البقرة:183) وامثالها مما له عيون ناظرة الى اكثر الآيات التنزيلية، واكثر الآيات التكوينية، واكثر الاحوال البشرية.
فهذه الخواتيم القرآنية التي تُمهَرُ بها الآيات مع تأييدها لاياتها، ترفع رأس المخاطب من الجزئى المشتّت الى الكلي البسيط؛ ومن الجزء المفصّل الى الكل المجمل. وتوجِّه نظره الى المقصد الاعلى.. وغير ذلك من اسرار البلاغة.
اعلم!(2) ياقلبي قد يغالطك الشيطان باراءة الغير الغير المحدود، ليهون عندك قيمة ما انعم عليك. فانظر حينئذٍ الى احتياجك ونفسك
--------------------
(1) في (ط1) اعلم! يا نفسي الجاهلة المغرورة! ان لكل مقام ومرتبة ظلا، بل ظلالا متباينة وأين الظل من الاصل؟ فهل يليق بمن يرى عكس سرير سلطان في الماء تحته او في المنام، فقعد عليه ان يظن نفسه سلطاناً او مساوياً للسلطان؟ او يشاهد النجوم في حوضه فيظن نفسه في السماء كمن يسري بين النجوم وفوقها. على ان من يرافقه علمه وعقله في السير الملكوتي على خطر عظيم من الغرور، فيقيس نفسه بسبب اخذ علمه ظلاً من ظلال مرتبة على صاحب اصل المرتبة. وكذا على خطأ جسيم من العجب فقد يقول كفراناً للنعمة ﴿انما اوتيته على علم... ﴾ ﴿بل هي فتنة..﴾.
(2) قد مرّ في ذيل الحباب اجمال هذه المسألة - المؤلف.