اعلم!(3) ان دنياك كمنزل ضيق كالقبر، لكن لأجل ان جدرانه من زجاجة تتعاكس تراه واسعاً مقدار مد البصر؛ اذ الماضي المعدومُ من جهة الدنيا، والآتي المفقودُ؛ مرآتان متقابلتان تصلان جناح حالك وتتصلان بزمانك. فلا تفرق بين الحقيقة والمثال؛ فيصير خطُ (آنِكَ) سطحاً، حتى اذا تحركت بتحريك المصائب ضربت الجدرانُ رأسكَ فيطيرُ خيالكَ ويُطرد نومُك، فترى دنياكَ اضيق من القبر والجسر، وزمانك اسرع من البرق والنهر..
اعلم!(4) يامن يريد ان يرى شواهد تجليات اسمه (الحفيظ) المشار اليه بـ ﴿فمَن يَعمل مثقَالَ ذَرَّةٍ خيراً يرهُومَن يعملْ مِثقالَ ذرَّةٍ شراً يرهُ﴾(الزلزلة:7-8) وبـ: ﴿وما يَعزُبُ عَن رَبِّكَ مِن مِثقالِ ذَرَّةٍ في الارضِ ولا في السّمآءِ ولا أصغَرَ منْ ذلكَ ولا أكبرَ الاّ في كتابٍ مُبين﴾(يونس:61) في صحائف كتاب الكائنات المكتوب ذلك الكتاب على مِسطرِ الكتاب المبين.
انظر الى غرفة تأخذها بقبضتك من اشتات بذور الازهار والاشجار، قد اختلطت تلك البذور والحبات المختلفة الاجناس والانواع، المتشابهة الاشكال والاجرام، بحيث لايميَّز بينها. ثم ادفنها معا - في الظلمة - في ظلمات تراب بسيط جامد محدود. ثم اسقه بالماء الذي لاميزان له ولايفرّق بين الاشياء، فاينما توجهه يذهب. ثم انظر اليها عند الحشر السنوي وقد حُشر بنفخ الرعد في الصُور في الربيع، حتى ترى تلك البذور المختلطة المتشابهة كيف امتثلت بلا خطأ الأوامر التكوينية من فاطرها الحكيم، بصورة يتلمع منها كمالُ الحِكمة والعلم والارادة والقصد والبصيرة والشعور!. ألا ترى تلك المتماثلات كيف تمايزت؟ حتى صارت هذه شجرةَ التين تنشُر وتنثر
------------------------
(3) يراجع الرمز الرابع من المذكرة الرابعة عشرة.
(4) المسألة الاولى من المذكرة الخامسة عشرة.