ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | زهرة | 262
(255-282)

على رؤسكم نِعم ربها!. وصارت هذه ازاهير تزيَّنت لاجلك وتضحك في وجهك وتتودّد لك؟ وصارت هاتيك فواكه مما تشتهون تدعوك الى انفسها وتفديها لك؟ حتى صارت تلك الغرفة باذن خالقها جنة مشحونة من الازهار المختلفة والاشجار. وانظر هل ترى فيها غلطاً او قصوراً؟. ﴿فَارجِعِ البَصرَ هَل تَرى من فُطور﴾(الملك:3) بل قد اعطى (الحفيظ) لكلٍ منها ماورثه من مال ابيه وأصله بلا نقصان وبلا التباس. فما يفعل هذا الفعل الا من يقتدر على ان يقيم القيامة. فمن يفعل هذا، هو الذي يفعل تلك.. فاظهار كمال الحفظ ها هنا مِن الامور التافهة الزائلةِ حجةٌ بالغة على محافظة ما له اهمية عظيمة وتأثير ابدي، كافعال خلفاء الارض وآثارهم، واعمال حَملة الامانة واقوالهم، وحسنات عبدة الواحد الاحد وسيئآتهم. ﴿أيَحسَبُ الانسَانُ اَنْ يُتركَ سُدىً﴾(القيامة:36) بلى انه لمبعوث الى الابد، فيحاسب على السبَد واللبد.
فهذا المثال الذي تنسج انت على منواله ليس قبضةً من صُبرة او غرفة من بحر، بل حبة من رمال الدهناء، ونقطة من تلال الفيفاء(1)، وقطرة من زلال السماء.. فسبحانه مِن حفيظ رقيب وشهيد حسيب.
اعلم! ايها السعيد الغافل! ان ما لايرافقك بعد فناء هذا العالم بل يفارقك بخراب الدنيا، لايليق ان تلزق قلبك به. فكيف بما يتركك بانقراض عصرك؟.. بل فكيف بما لايصاحبك في سفر البرزخ؟.. بل فكيف بما لايشيّعك الى باب القبر؟.. بل فكيف بما يفارقك سنة او سنتين فراقاً ابدياً مورِثاً إثمه في ذمتك؟.. بل فكيف بما يتركك على رغمك في آن سرورك بحصوله؟.
فان كنت عاقلاً لاتهتم ولاتغتم، واترك ما لا يقتدر ان يرافقك في سفر الابد، بل يضمحل ويفنى تحت مصادمات الانقلابات الدنيوية

--------------------

(1) الفيفاء: الصحراء الملساء والجمع: فيافى.

لايوجد صوت