ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | زهرة | 260
(255-282)

اعلم!(4) ياقلبي ان الابله الذي لايعرف الشمسَ اذا رأى في مرآةٍ تمثالَ شمس، لايحب الا المرآة ويحافظ عليها بحرص شديد لاستبقاء الشمس، واذا تفطن ان الشمس لاتموت بموت المرآة ولا تفنى بانكسارها، توجَّه بتمام محبته الى الشمس؛ اذ ما يشاهَد في المرآة ليس بقائم بها، بل هو قيومُها. وبقاؤه ليس بها، بل بنفسهِ.. بل بقاء حيوية المرآة وتلألؤها انما هو ببقاء تجليات الشمس ومقابلتها، اذ هي قيومُها. ياهذا قلبُك وهويتُك مرآةٌ. فما في فطرتك من حب البقاء ليس لأجلها، بل لأجل ما فيها.. فقل (ياباقي انت الباقي) فاذ انت باقي فليفعل الفناءُ بنا ما شاء فلا نبالي بما نلاقي..
اعلم!(1) ياايها الانسان! انّ من غرائب ما اودع الفاطرُ الحكيم في ماهيتك أنه قد لاتَسعك الدنيا فتقول (اوف)(2) كالمسجون المخنوق، مع انه تَسعُك خردلةٌ وحجيرةٌ وخاطرةٌ ودقيقةٌ حتى تفنى فيها، وتستعمل اشد حسياتك لها.. واعطاك لطائف بعضُها يبتلع الدنيا فلا يشبع، وبعضها يضيق عن ذرة ولا يتحمل شُعيرة، كما ان العين لاتتحمل شعرة.
فاحذر وخفّف الوطء، وخَف ان تغرق ويغرق معك ألطفُ لطائفك في أكلةٍ، او كلمةٍ، او شعرة، او شُعيرة، او لمعةٍ، او لحمةٍ، او بقلةٍ، او قبلةٍ.. فان في كل شئ جهة من عدم التناهي يطيق ان يُغرقَك، ولايضيق عن بلعِك. فانظر الى مرآتك كيف يغرقُ فيها السماء بنجومها! والى خردلة حافظتك كيف كتب (الحق) فيها اكثر ما في صحيفة اعمالك واغلب ما في صحائف اعمارك! فسبحانه من قادرٍ قيوم! .

-----------------------

(4) الرمز الثاني من المذكرة نفسها.
(1) الرمز الثالث منها.
(2) كلمة تضجر.

لايوجد صوت