ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | ذيل الزهرة | 287
(283-296)

فاذ تفطنت لسر التمثيل، فانظر من دار الدنيا الى هذه المصنوعات. فمنها كزرابي مبثوثة، وفُرُشٍ مرفوعة، وحلل ملبوسة، وحلية منثورة، وصحائف منشورة.. ومنها ازاهير وثمرات اصطفت؛ تدعو بألوانها وطعومها وروائحها ذوى الحياة واصحاب الحاجات وتدعو بنقوشها وزينتها وصنعتها اولى الالباب وذوى الاعتبار.. ومنها نباتات شمّرت عن ساقاتها لوظيفة خلْقَتها، وحيوانات قامت على ارجلها لوظيفة عبوديتها، واكثرها لا تشعر بما أودع في أنفسها من المحاسن الرائقة واللطائف الفائقة..
فليست تلك اللطائفُ والمحاسن لِحَمَلَتَها البُهْمُ العُجْمُ، بل ما هي الاّ لغيرها السميع البصير.. ومنها الى مالا يحد ولا يعد. فمع كل هذه الحشمة الجلابة والزينة الجذابة، وانواع التلطيفات والتوددات، وانواع التحببات والتعرفات، واقسام التعهدات والتعمدات واصناف التزينات والتبسمات واشكال الاشارات والجلوات، وغير ذلك من ألسنة الحال التي كادت ان تنطق بالقال مع انه لا نرى ظاهراً في ساحة الدنيا من ذوي الاعتبار والابتصار الاّ هؤلاء الثقلين اللذين صيرت الغفلة اكثرهم كصبيانٍ صمٍ عميٍ فلج في ظلمات طاغوت الطبيعة يعمهون.
فبالحدس الصادق وبالضرورة القطعية وبالبداهة العقلية، لابد ان يكون الكون مشحوناً من ذوي الارواح المعتبرين المسّبحين مما عدا الثقلين. كما قال من قوله القول: ﴿تسبّح له السموات السّبع والارض ومن فيهن، وان من شئ الاّ يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾(الاسراء:44).
اعلم! ان بمقدار توسع تصرف القدرة في الجزئيات وتزييد الامثال تتقوى العناية بالفرد. فلا تقل: انا قطرة في بحر، فيُنسينى البحرُ. كلا! بل البحر شاهدٌ على انك بنسبة محاطيتك به محفوظ ابداً بنظام قوي نافذ بقوته في جميع امثالك؛ إذ بدرجة الصغر والخفاء والمحُاطية يتزايد الاهتمام به، والمصونية من الاهمال، والمحفوظية من مداخلة الغير، ومن لعب التصادف، ويزيد ظهورُ المخلوقية والمجعولية.

لايوجد صوت