الا ترى أن المركز أصون من تسلط الغير والمهاجمات، وان النواة أحصن من لعب التصادفات وتعجيز العاصفات، وان الاهتمام بالنواة أشد؟
ايها الانسان! انت نواة الارض والارض بيضة العالم. ومن هذا السر يُكثر القرآن ذكر خلق السمــوات والارض ويجعله عنواناً لخلق كل شئ.
اعلم! وانظر الى كمال النعمة في كمال الحكمة، وكمال الحكمة في كمال النظام، وكمال النظام في كمال الميزان، في صنعة الحواس الخمسة الانسانية؛ اذ فطَرها فاطرها بوضعيةٍ وجهزّها صانعها بجهازاتٍ، يحس الانسانُ بها ويَذُوّق صاحَبَها خصوصيات جميع انواع الثمرات والازهار والاصوات والروائح وغيره، حتى ان في حاسة الذائقة حسيات رقيقة دقيقة منتظمة بعدد طعوم جميع اجناس الثمرات وانواعها واصنافها.. وهكذا حاسة السمع لخصوصيات مالا يحد من الاصوات. وقس سائر الحواس الظاهرة، ولاسيما الباطنة التي هي اكثرُ غناءً وجهازاً.
ومن هذا السر بلغت جامعيةُ فطرة الانسان الى درجة صيّرَت هذا الانسان: مظهراً لما لا يحد من انواع تجليات اسماء فاطره جلّ شأنه، وذائقاً لما لا يعدّ من الوان نِعمه، عمّ نواله.
مثلك ايها الانسان، كمثل المركز العمومي للتلفون، فكما ان فيه لمخابرة كل موقع في الولاية مفتاح خاص، كذلك فيك لحسّ ذوق جميع انواع نِعَمه، ولذوق لذة مظهريتك لما لا يحد من اقسام تجلياته مفاتيح مخصوصة عُلّقت برأسك ولطائفك، فاستعملها كما يرضى به بارئُها، بالحركة بميزان شريعته.