فقال : لا اصرف لاحتمال عدمِ الفائدة.
فقيل له: فيا للعجب لبلاهتك الى هذه الدرجة!.. كيف يفتيك عقلك ان ترمي نصفَ مالك في قمار (البيانكو)(3) وهو ثمانية واربعون ديناراً، مع اشتراك الف انسانٍ برجاء الظفر بألفِ دينارٍ، باحتمال واحد من الف احتمالٍ. فكيف لا يفتيك هذا العقل بان تعطي جزءً واحداً من اربعة وعشرين جزء من مالك لتظفر بكنوزٍ لا نفاد لها بتسعمائة وتسعة وتسعين احتمالاً بشهادات ملايين من اهل الخبرة والاختصاص. مع انه يُهتم في مثل هذه المنفعة الجسيمة باخبار واحدٍ عامي، فكيف باخبارات شموس البشر ونجومه المتواترين واهل الشهود الذين يرجّح اثنان من مثبتى اهل الشهود على الوف النافين المنكرين، كما يرجح شاهدان لهلال رمضان على الوف المنكرين لرؤيته.
اما العبد المسافر فانت. واما (بوردور) فدنياك. واما (انطاليه) فالقبر. واما (الشام) فالبرزخ. واما (اليمن) فما بعد الحشر. واما الدنانير الاربعة والعشرون، فاربع وعشرون ساعة في عمر اليوم، تصرف ثلاثاً وعشرين ساعةً لمصالح الحياة الفانية؛ وتتهاون في صرف ساعةٍ واحدةٍ في اداء خمس صلوات التي هي من ألزم الزاد في السفر الطويل !
هذا التمثيل لبيان سر من اسرار الآية الكريمة:
﴿وَاُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتقين وَبُرّزَتِ الجحيمُ لِلْغاوينَ﴾(الشعراء:90-91)
اعلم!(1) ياايها الغافل التارك للدين في طلب الدنيا! احكي لك حكايةً تمثيليةً، فيها مثال قسم من حقائق الدنيا والدين.
------------------
(3) اليانصيب.
(1) البحث خلاصة الكلمة الثامنة والدرس الثاني من (المدخل الى النور).