وإن خَدَمَتْكَ بجهة في دقيقة، خَدَمَتْ صانعَها بكل الوجوه في كل آن.. ومن خدمتها تشهيرها لغرائب آثار صنعة فاطرها الحكيم.. وكذا امتثال الوظائف الفطرية المؤذنة بكمال الموازنة في سر التعاون المادي على لطائف رحمته تعالى، ولفائف حكمته سبحانه. وكذا اعلاناتها بلسان فهرستيتها لغرائب الصنعة لمحاسن جلوات فاطرها الحكيم .
وإن نَظرتْ اليك بدرجة ما يصل اليها نظرُك السطحي، وبمقدار ما يحيط بها علمك الاجمالي؛ نظرتْ الى صانعها بجميع ذراتها ومركباتها وكيفياتها واحوالها، فما ميزان مالكيتك الموهومة الا درجة نظرك وتصرفك فيها، وما هو الا كقطرة من بحر، فاعرف حدك ولا تجاوز طورَك.
فوجودُك وتوابعه له وجهان:
فبالوجه الناظر الى الحق سبحانه له قيمة عالية غالية.
وبالوجه الناظر الى الخلق لا قيمة له لفنائه وزواله.
اذ الوجه الاول يقول لك وللناظر: انك صنعةٌ لطيفةٌ، واثرٌ نظيف نزيه لمن فطر السموات والارض. فحسبُك من الوجود وكمالِه ولذتِه وقيمته علمُك بانك صنعةٌ للصانع الذي زيّن السماء بهذه النجوم والشموس حتى صِرتَ اخاً عزيزاً صغيراً لهذا العالم يخدمك اخوك الكبير..
والوجه الثاني يقول لك ناعيا باليُتم: انك مجموعُ عناصر ترافقت باتفاقية عمياء، وعن قريب تتفرق بفراق اليم ومفارقة صماء.
فلا تظلِم وجودك بالتملك ولا تَبْخَسْ حقَّه بقطعه عن الحق المؤدي لإسقاطه من القيمة. فلا يقام له الوزن حينئذ؛ اذ قيمة ملايين سنة والوف قنطار من هذا الوجود الابتر المكفهر لا تساوي قيمة ذرة وآن سيال لذلك الوجود المظهر المطهر.. ألا ترى انك ما أقتطعك بارئُك اقتطاعاً من مواد حاضرة، ولا اخذك اخذاً من صُبْرة الكون، ولا اغترفك اغترافا من بحر الوجود، كيفما اتفق؟ هل ترى في سوق عالم