ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | شعلة | 402
(393-427)

الكون والفساد دكانا يُشترى منه العيون او مخزنا أدخر فيه الادمغة والالسنة، او ماكينة تصنع القلوب وتنسج الجلود؟ كلا ثم كلا! بل أنشأك بارئُك، واخترعك فاطرُك بصورة بديعة جامعة، وخلقك من شئ كلاشئ، او من كل شئ، حتى لا يطمع شئ من الاشياء ولو اعظم الاشياء الممكنة في خلق شئ من الاشياء ولو اصغر الاشياء، وحتى لايتطاول الى دعوى خلق ذبابة مثلا، من لا يقتدر على خلق السماوات.
فمن لا يقتدر على خلق كل شئ، لا يقتدر على خلق ِ شئ ما من الاشياء.
اعلم ! ان المادة التي يتصرف فيها الصانع الماهر فيُظهر فيها صنعةً عجيبة قد لا تساوي قيمةُ تلك المادة عُشر مِعشار قيمة (الصنعة) . كالزجاج الذي صُنع منه المرآة الاسكندرية مثلا. وقد تتوازن قيمةُ المادة و الصنعة كالبقلواء(1) النفيسة من يد طابخ حاذق، وقد تزيد عليها. وان لكل من المادة، وما فيها من الصنعة غايات وثمرات تغاير غايات الآخر.
واما مصنوعات الصانع الازلي فاكثرها، بل كلها من القسم الاول حتى كأن المصنوعَ صنعةٌ متجسمة، لاسيما ذوي الحياة، ولاسيما صغارها التي تضاءلت فيها المادة وتلاشت في كثافة دقائق الصنعة، وقد يصير شئ واحد غايةً لهما، لكن بجهتين كالرزق مثلا..
فمن جهة المادة والحياة ما هو الاّ تغذٍ بتلذذ جزئي زائل لحفظ الحياة وبقائها.
واما من جهة الصنعة المعلنة المثمِرة لآثار جلواتِ الصانع، فالرزق كنزٌ عجيب لطيف، وخزينةٌ غريبة نظيفة، اذ في الرزق حينئذ التحسس باحساس جميع النِعَم والشعور بها، والتذوق عند اذاقة اقسام تجليات اسماء الرزاق الكريم، والتشرف بها والتنوّر بفَهمها. فان

------------------

(1) نوع من الحلويات والمعجنات المعروفة.

لايوجد صوت