شئت فانظر الى لسانك الذي هو واحد من الوف آلات الارتزاق بالرزق المادي والمعنوي، كيف اشتمل هذا الجرم الصغير على جهازات ذائقاتٍ بعدد طعوم المذوقات. فان انتبه وشَعَر ذو اللسان شكر هذا اللسانُ بهذه الالسنة الدقيقات في جهازه، لطائفَ نِعَم مَن اذاقه برحمته هذه النعم اللذيذات..
نعم، ومن شُكرِِ النعمةِ بل ألذّ من النعمة الشعورُ بالانعام، ودركُ التفات المنعِم.
اعلم ! انه ما من مصنوع الا وهو منظوم، وما من مخلوق الا وهو موزون، قد انشأه بارئه صحيحا صريحا، وانشده فاطرهُ واضحا فصيحا. وان ما يُرى في هذه الاشياء الدنيوية وما في اثاثات هذا البيت الفاني من (التنظيم) بحساب معدود وبنظام مسرود، ومن (التوزين) بموازين حساسة، والموازنة بمقاييس جساسة يرمزان بل يُفصحان بعظمة الحساب في الحشر وتحقق وجوده فيه، والى هيبة الميزان في عرصات القيامة، ووقوعه ووضعه فيها، إذ ما يشاهد هنا، ما هو الا بذور، واساسات، ومباد، ومبشرات وشواهد وعلامات لما يتسنبل في الآخرة.
وان كل ما نشاهد في هذا الكون ما هو الا مصنوع، واثرُ الصنعةِ عليه ظاهرٌ جلي، يكاد ان ينطق. ولا يُشاهد صانعُه، وما يُتوهم من جنس الممكنات انه صانعُ شئ، فهو اضعفُ واعجز بمراتب غير محدودة من ان يكون صانعه حقيقة. اذ لابد لتصنيع كل شئ وانشائه لاسيما من جنس النباتات والحيوانات من آلات مختلفة، وتجهيزات متنوعة، وموازين حساسة كالموازين المستعملة في تركيب الادوية والمعجونات. وليست فليس..(1) مع ان عند كل مصنوع ومعه وفوقه وفيه وتحته وقبله وآخره شئ. ومع ذلك الشئ كلُ ما يلزم للمصنوع
----------------
(1) اي انه ليست للمصنوع تلك الآلآت المذكورة. فليس له ان يصنع شيئاَ قط.