ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | شعلة | 406
(393-427)

وثانيا: لابد ان يفيدك ذلك النظر قناعة النفس، بانك لستَ سدى مهملا، غاربك على عنقك تسرح كما تشاء، وان لست موكولا مفوَّضاً الى نفسك العاجزة عن ادنى حاجاتك الغير المحدودة حتى تقعد ملوما محسورا، متوحشا عن عجزك المطلق وحاجاتك الغير المحصورة. لاجل انك ترى في تلك الصغار نظاما تاما خاصا في عموميته، عاما في خصوصيته. وميزاناً حساسا في وسعته، وجساسا بالاقتصاد والامساك في عين سماحته..
ايها الغافل! الا تتلو عليك هذه الحواشي الدقيقة، والكتب الرقيقة الموجودة في بعض الحروف الكبيرة انك موزون بين موازين.. فَتَنَبَّهْ وأقِمْ الوزن بالقسط.. والحال انك تلهو كمجنون بين مجانين، فتتبله وتخسر الميزان بالسقط(1).
وثالثاً: لابد ان تلقنك هذه الرؤية التوكل والاعتماد بان من ترجوه لكل شئ وتخافه دائماً، في نهاية القرب اليك في عينِ نهايةِ بعدك عنه. يتصرف فيك وفيما حواليك بقدرته التي يتساوى بالنسبة اليها الاصغرُ والاكبر، والاقل والاكثر، والاقرب والابعد؛ لاتكلُّفَ ولامعالجة، ولامباشرة اختلاطٍ في افاعيلها بالحدس الشهودي. افلا تقرأ عليك هذه الحقيقة ان: لاتخف ولاتحزن ولاتتوحش؛ اذ اينما كنتَ فهناك مُلكُه، واينما توجهتَ فَثَمَّ وجهُه، وانت في وطنك، ولو في بطن الارض. وانت تحت نظره، ولو فيجوف العدم. تأخذك بأذنه وامره الأيادي الرحيمة الكريمة الحكيمة من حال الى حال، وطور الى طور. لا تخرج من يد الا وتسابقَ لأخذك يدٌ اخرى بالانتظام، ولاتصادف في سفرك غَول التصادف اصلا. ولاتُظلَم بالعدم ولايظلمك الفناء بالاعدام. وكم من عدم ترى خلفه - ان اقتحمته - او تحته او فيه خزينةً من خزائن الرحمة مشحونة مما ( هو يبقى) من جنس ما (هو يفنى) في هذا الوجود.
------------------

(1) اي بالخطأ.

لايوجد صوت