فان قلت: ما السر في اقتران فعاليةٍ خارقة في مصنوع ذي حياة، مع سكونةِ ما حوله كأنه لاشئ هناك، ومع عدم ترشح هذه الفعالية المدهشة من ارق لفائفه الى الخارج، ولو بمقدار ذرة ؟
قيل لك، كما قيل لي في قلبي: لو كانت الفعالية للاسباب الامكانية، ومن انفَس الاشياء؛ لَلَزم ان يكون في كل حيوان فاعل مستقل له علم محيط، وفي كل ثمرة صانع قدير له قدرة مطلقة تامة بحيث لايتعسر على تلك القدرة خلقَ الارض بما فيها، فحينئذ يكون الترشح والتفشي والانتشار والطغيان من الضروريات، ولكن هذا الامن والامان المشهودان في الكون والمكان، وهذا السكون والسكوت المرئيان في غير عالم الانسان، وهذا الانقياد والسلم والسلام في هذا العالم في كل زمان.. ما هو الا لأن هذه الصنعة الموزونة، والصبغة المنظومة صنعة وصبغة لمن ﴿انَّمَا امْرُهُ اذَا ارَادَ شَيْئاً انْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾(يس:82) ولمن يقول ﴿وانْ مِنْ شَئٍ الاَّ عِنْدنا خَزَائِنُهُ ومَا نُنزِّلُهُ الاَّبِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾(الحجر:21) فنسبة فعلك بيدك الى فعلكَ باسرع الخيال، كنسبة الفعل بالخيال - لو امكنَ - الى فعلِ قدرة الباري بل لا مناسبة..
اعلم ! ايها السعيد المسكين المغرور! انه ليس اليك منك من الوف حاجاتك الا واحد او اقل. والباقي بالتمام مفوضٌ باليقين الى فاطرك الذي خلقك اولا كالفطير(1) بقدرته، ثم فتح صورتَك في الماء بلطيف صنعه، لتصير مرآة اسمائه.. وشق سمعك وبصرك برحمته، لتسمع الحق وتعتبر بالخلق فتعرف الخالق.. وعلّق في كهف وجهك بعنايته لسانا لتذْكُره.. وأدرج في رأسك عقلا لتَعرفَه.. واودع في صدرك جَنانا لتحبَّه.. ولطف بك في ظلمات الاحشاء، وتصرف فيك بربوبيته كيف يشاء، وركّب في وجودك بحكمته هذه الحواسَ بانواعها، وهاتيك الاعضاء باقسامها؛ لاجل احساس جميع انواع ثمرات نِعَمِهِ، ولاذاقة اقسام تجليات اسمائه.
-----------------------
(1) العجين الذي لم يتم تخميره بعد.