فيا ايها الغافل المغرور! الى كم تتهمه، وهو هذا وقد لطف بك هكذا. وتعتمد على ذرة اقتدارك الجزئي، فيفوضك حينئذ الى نفسك بسبب سوء اختيارك فتصير ظالما لنفسك لتحميلها ما لا طاقة لها به. وما بالك وما منعك ان تتوكل على مَن ناصيتُك بيده، وحاجاتُك راجعة اليه حتى تلقى بالتسليم له ما اليك، على ما اليه. وتُلقى بالتوكلِ عليه نفسك في سفينته الجارية بين طوفان الشؤون فتقول ﴿بِسْمِ الله مَجْريها وَمُرْسيها﴾(هود:41) حتى تستوي على الجودي الاسلامي، وتستريح في ساحل السلامة. الا ترى ان شمس الحياة قد اقترب ان تغترب! وان قمر الوجود قد انخسف بالشَيب، واكفهرّ ببياض الهرم. وان لا فائدة فيما سواه تعالى، بل كما انه لا فائدة فيما سواه ان لم يأذن به ففيه ضررٌ عظيم. فان كان بدونه فكل شئ ضررٌ وعدو. وان كان به فهو مغنٍ عن كل شئ، فلابد من التَرْكِ على الحالين:
أما في حال، فلكونه ضرراً محضاً.
وأما في حال، فلتفويت طلب الغير غاية الغايات مع فوات نفسه.
نعم، وبدونـه الالم ازيد من اللذة في كل لذة، بل اللذة بدونه المٌ مموّه… ﴿ففروا الى الله﴾(الذاريات:50) فان عنده من كل شئ - يفنى عندكم - ما هو يبقى من نوع ذلك الشئ، فما يزول هنا ولايدوم بدونه، يستمر هناك ويدوم به. مع ان الوقت ضيق.. الا ترى انك في سكراتِ الموت، اذ تمام عمرك سُكر في سَكرات.. وسَفَر في سقطات. فارفع رأسك من الدنيا، كي ترى عند بارئك نعمةً ابدية، ورحمة سرمدية، ومحبة ازلية.
اعلم! ايها المتفكر المتحير المتحري ! اذا انتهى علمك الى شئ، او رأيت في شيء جهةً من عدم التناهي، فسبّح بحمده تعالى على قربك الى الحق ؛ اذ المجهولية واللاتناهية عنوانان وعلامتان نصبتا على حدود تصرّف ربوبيته المطلقة جل جلاله..