ان كل كلمة فيه لها ارتباط وثيق مع كلمات الكتاب كلها.. فالذي خلق عين البعوضة اذاً هو خالق الشمس ايضاً، والذي نظّم معدة البرغوث هو الذي ينظم المنظومة الشمسية. فان شئت راجع كتاب (السانحات) لترى حقيقة الآية الكريمة: ﴿ما خلقكم ولا بعثكم اِلاّ كنفسٍ واحدة﴾(لقمان: 28). ولتشهد كيف يقطر شهدُ الشهادة الصادقة من لسان معجزة القدرة، النحل، الذي يمثل كلمة صغيرة من هذا الكتاب. او ان شئت فتأمل في نقطة من هذا الكتاب، في حيوان مجهري لا يُرى بالعين المجردة، لتشهد كيف انه يمثل نموذجاً مصغراً للكائنات. فالذي كتبه على هذه الصورة المعجزة كتب الكائنات. فلو امعنت النظر فيه لرأيته يضم من المكائن الدقيقة والاجهزة البديعة ما يثبت لك يقيناً انه لا يمكن ان يفوّض أمره الى الاسباب الجامدة البسيطة الطبيعية التى لا تميز بين الامكانات. الاّ اذا توهمت ان في كل ذرة شعورالحكماء وحكمة الاطباء ودهاء الساسة والحكام، وانها تتحاور فيما بينها دون وساطة !!. وما هذا الاّ خرافة يخجل منها الخرافيون. فلا يمكن ان تكون تلك الماكنة الحية الصغيرة اذاً الاّ معجزة قدرة إلهية. ألا ترى ان العقول تنبهر امامها؟ فهي اذاً ليست من صنع الاسباب الطبيعية، بل من ابداع من يقدر على ايجاد الكائنات كلها وينظم شؤونها، اذ هو محال ان يجتمع اس اساس تلك الأسباب المادية وهو: القوة الجاذبة والقوة الدافعة معاً في جزء لايتجزأ للقيام بتلك الصنعة الحكيمة.
نعم ! ان ما يظنونه اساساً لكل شئ من جذب ودفع وحركة وقوة وامثالها، انما هو ناموس الهي يمثل قوانين عادات الله، واسم لها. فهذه القوانين مقبولة بشرط الاّ تنتقل من كونها قاعدة الى طبيعة فاعلة، ومن شئٍ ذهني الى حقيقة خارجية، ومن امرٍ اعتباري الى حقيقة مشهودة، ومن آلة قياس الى مؤثر حقيقي.