ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | نقطة | 446
(432-450)

النكتة الرابعة: ان الوجدان لا ينسى الخالق مهما عطّل العقلُ نفسه وأهمل عمله، بل حتى لو أنكر نفسه فالوجدان يبصر الخالق ويراه، ويتأمل فيه ويتوجه اليه. والحدس - الذي هو سرعة انتقال في الفهم - يحرّكه دائما. وكذا الالهام - الذي هو الحدس المضاعف - ينوّره دوماً. والعشق الالهي يسوقه ويدفعه دوماً الى معرفة الله تعالى، ذلك العشق المنبعث من تضاعف الشوق المتولد من تضاعف الرغبة الناشئة من تضاعف الميلان المغروز في الفطرة. فالانجذاب والجذبة المغروز في الفطرة ليس الاّ من جاذب حقيقي.
وبعد ما تبين لك هذه النكات، أمعن في الوجدان لترى كيف انه برهان مودع في نفس كل انسان يثبت التوحيد، ولتشاهد ايضاً ان قلب الانسان مثلما ينشر الحياة الى ارجاء الجسد فالعقدة الحياتية فيه وهي معرفة الله تنشر الحياة الى آمال الانسان وميوله المتشعبة في مواهبه واستعداداته غير المحدودة، كل بما يلائمه، فتقطر فيها اللذة والنشوة وتزيدها قيمة واهمية، بل تبسطها وتصقلها.. فهذه هي نقطة الاستمداد.
والمعرفة الالهية نفسها هي نقطة استناد للانسان امام تقلبات الحياة ودوّاماتها وامام تزاحم المصائب والنكبات وتواليها عليه، اذ الانسان ان لم يعتقد بالخالق الحكيم الذي كل امره نظام وحكمة، واسند الامور والحوادث الى المصادفات العمياء، وركن الى ما يملكه من قوة هزيلة لا تقاوم شيئاً من المصائب، فانه سينهار حتماً من فزعه وخوفه من هول ما يحيط به من بلايا، وسيشعر بحالات اليمة تذكّره بعذاب جهنم. وهذا ما لايتفق وكمال روح الانسان المكرم، اذ يستلزم سقوطه الى هاوية الذل والمهانة، مما ينافي النظام المتقن القائم في الكون كله، اي ان هاتين النقطتين: نقطة الاستمداد والاستناد ضروريتان لروح الانسان. فالخالق الكريم ينشر نور معرفته ويبثها في وجدان كل انسان من هاتين النافذتين - نقطة الاستمداد ونقطة الاستناد - فمهما اطبق العقل جفنه ومهما اغمض عينه.. فعيون الوجدان مفتحة دائماً.

لايوجد صوت