ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | نــور | 499
(451-507)

اعلم!(1) ان القرآن الحكيم يصرّح: بان كل شئ من العرش الى الفرش، ومن النجوم الى الهوام، ومن الأملاك الى الأسماك، ومن السيّارات الى الذرّات يعبد الله ويسجد له ويحمده ويسبّح له اِلاّ ان عباداتها متنوعةٌ. فنشير الى وجهٍ من وجوه التنوع، بنوعِ تمثيل.
مثلاً: (ولله المثل الاعلى) اِن ملكاً عظيماً اذا بنى مدينة جسيمةً وبنى قصراً محتشماً، فذلك الملك يستعمل فيهما أربعة أنواعٍ من العَمَلة:
الأول: مماليكُه: فليس لهم معاش ولا أجرة. بل لهم ذوقٌ وشوقٌ في كل ما يعملون بأمره، ويقولون في مدحه، ويكتفون بشرف انتسابهم له، ولذة نظرهم بحسابه.
والثاني: خَدَمة عاميون يستعملهم الملك بعلمه بأجرةٍ جزئية تليق بهم. ولا يعرفون ما يترتّب على عملهم من الغايات العالية الكلية. حتى قد يتوهم البعضُ أنْ ليس لعمله غايةٌ الاّ ما يعود الى نفسه من الأجرة والمعاش.
والثالث: حيواناتٌ له يستخدمها، فليس لها الاّ العَلَف، والتلذّذ بالعمل فيما تستعدّ له، اذ في خروج الاستعداد من (القوّة) الى (الفعل) لذة عامة.
والرابع: عَمَلة عالمون بما ولِمَا يعملون وتعمل سائر العَمَلة، وعارفون بمقاصد الملك. فلهم رياسةٌ ونظارةٌ على سائر الخَدَمة، ولهم معاشٌ متفاوتٌ على درجات رُتَبهم.
كذلك اِن مالك السموات والأرض وبانيها، استخدم واستعبَد الملائكة، ثم الحيوانات، ثم الجمادات والنباتات، ثم الأناسي، لا للحاجة؛ اذ هو خالقُهم ومايعملون، بل للعزّة والعظمة وشؤونات الربوبية وغير ذلك.

-----------------------

(1) هذا المبحث القيم خلاصة جيدة للغصن الرابع من الكلمة الرابعة والعشرين.

لايوجد صوت