ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | نــور | 500
(451-507)

فاما الملائكة فليس لهم ترقيات بالمجاهدة. بل لكلٍ منهم (مقام معلوم) لكن له ذوقٌ مخصوص في نفس عملهم وفيوضاتٍ بنسبة درجاتهم في نفس عباداتهم. فمكافآت خَدَماتهم مندرجةٌ في عين خدماتهم. فكما يتغذى الانسانُ بالماء والهواء والضياء والغذاء ويتلذذ بها، كذلك االملائكة يتغذَّونَ ويتنعّمون ويتلذذون بأنوار الذكر والتسبيح والحمد والعبادة والمعرفة والمحبة، لأنهم من النور فيكفي لغذائهم النور والنورانيّ، كالروائح الطيّبة، ولهم سعادة عظيمة في فعلهم بأمر معبودهم، وفي عملهم بحسابه، وخدمتهم باسمه، ونظارتهم بنظره، وتشرّفهم بانتسابه، وتنزهّهم بمطالعة مُلكه وملكوته، وتنعّمهم بمشاهدة تجليات جماله وجلاله.
واما الحيوانات فلوجود النفس المشتهية فيها مع اختيارٍ جزئي ليست أعمالها خالصةً بحسابه وحَسْبةً محضةً لوجهه، فلهذا يعطيها مالِكُها الكريم معاشاً في ضمن عملها لأجله.
مثلاً: اِن العندليب المشهور بالعشق للورد يستخدمه فاطرُه الحكيم لإعلان المناسبة الشديدة بين طوائف النبات وقبائل الحيوان. فالعندليب خطيبٌ رباني من طرف الحيوانات - التي هي ضيوف الرحمن - وموظّفٌ لإعلان السرور بهدايا رازقها. ولاظهاره حُسن الاستقبال للنباتات المرسلة لإمداد أبناء جنسه، ولبيان احتياج نوعه البالغ ذلك الاحتياج الى درجة العشق، على رؤوس جميلات النباتات، ولتقديم ألطف شكرٍ في ألطف شوقٍ في ألطف وجهٍ لجنابِ مالكِ الملك ذي الجلال والجمال والاكرام.. فهذه غايةُ عمله بحسابه سبحانه، فهو يتكلم بلسانه فنفهم هذه المعاني منه، واِن لم يَعرف هو معنى نغماته بتمامها. وعدمُ معرفة البلبل بهذه الغايات بتفصيلها لا يستلزم عدمَها، لا أقل يكون كالساعة تُعلّمكَ الأوقات وهي لاتعلم ماتعمل. وأما معاشُه الجزئي فذوقه بمشاهدة الأزهار المتبسّمة وتلذّذه محاورتها. فليست نغماته الحزينة تألّمات شكايات حيوانية، كلاّ بل هي (تشكرات عطايا رحمانية) وقس عليه النحل والفحل والعنكبوت والنمل وبلابل الهوام وغيرها. فلكلٍ منها معاشٌ جزئي في ذوق خصوصيّ في ضمن

لايوجد صوت