السيرة الذاتية | مقدمة | 40
(31-42)

بكل ودّ ودفءٍ وفتحت أبوابها على مصاريعها ليستقبل غايته السامية إستقبالاً. مثلاً: يوجه كثيراً من نصائحه وعظاته ودروسه في الأخلاق والفضائل والحكم والعبر إلى نفسه بشكل مباشر. ويضع نفسه موضع المخاطب الأول الوحيد لخطاباته القوية وكلماته الحادة الكاسحة. فينتشر النور من ذلك المركز إلى القلوب الظامئة للسلوان والأفئدة العطشى للسعادة والطمأنينة، كما تنتشر الأمواج الهائجة من المركز إلى المحيط.
الأستاذ النورسي متواضع وحليم في حياته الشخصية غاية التواضع والحلم، وهو يبذل كل ما في وسعه ليتجنب عن إيذاء الأفراد بل حتى أصغر الأحياء وأدناها. فيعاني ما لا يحصى من المشقات ويتجرع صنوفاً من المآزق ويكابد أنواعاً من المصاعب، شريطة أن لا يُتداخل بإيمانه ويمسّ كتابه المقدس القرآن الكريم مس سوء. وعندها ترون أن هذا البحر الساكن قد هاج وتلاطمت أمواجه وفار تنوره بطوفان يلقي الدهشة والحيرة ويستفرغ الفزع والهلع على سواحله، فهو بطل وجندي مغوار يحمي حدود الإيمان، أليس هو خادم أمين للقرآن الكريم يذود عنه بكل صدق. يوضح الأستاذ هذه الحقيقة بنفسه كما يلي: (كما لا ينبغي للجندي الخفير الرابض أن يترك سلاحه وإن أتاه القائد العام، وأنا أيضاً جندي من جند القرآن وخادم من خدامه، أصدع بالحق بوجه أعتى العتاة دون أن أخضع رأسي أمامه...)

كنت أتمنى أن أخوض الجانب العلمي والفكري والصوفي والأدبي للأستاذ بديع الزمان قبل استهلالي الكتاب، ولكني أدركت قطعاً أن هذه الموضوعات الشاملة والعميقة في فحواها لا يـمكن حصرها ضمن صفحات، لذا أكتفي بالإشارة إليها بعدة جمل:
علمه:
يفيد الشاعر المرحوم (ضيا باشا) في بيت شعري له حقيقة عظمى تنتقل من جيل إلى جيل وهي: العمل لا الأقوال مرآة الفرد.. والأثر هو مقياس رتبة الـرجال.
أجل إن بديع الزمان سعيد النورسي الذي أتحف مكتبة العلم

لايوجد صوت