تستبدل بملء الدنيا ذهباً.
وكيف لا يكون فاتحاً للقلوب من لا تعرف قيود الراتب والرتبة وأغلال المقام والثـروة وسلاسل المنافع الـمادية التي يلهث وراءها الناس إلى قلبه سبيلا، وكيف لا تمتلئ القلوب المؤمنة بنوره وفيضه.
الاقتصاد:
الإقتصاد إن هو إلا إيضاح وتفسير لمعنى الإستغناء السالف ذكره، وللولوج إلى ديوانه ينبغي الدخول من باب الإستغناء، لذا إن عدّ أحدهما لازماً يعد الثاني ملزوماً له.
ومجاهد أغرّ مثل الأستاذ النورسي المتخذ الأنبياء عليهم السلام قدوة ورائداً في التجرد والإستغناء يلازمه الإقتصاد حتى يصبح شيمته الفطرية وخصلته العادية، فيكفيه من القوت اليومي قليلٌ من الحساء وكأسٌ من الماء وقطعة من الرغيف، ذلك ان هذا الإنسان العظيم كما يقول الشاعر الفرنسي الكبير المنصف (لامارتين) (لا يعيش ليأكل، بل يسد رمقه ليديم الحياة).
فالأستاذ النورسي لم يحصر إقتصاده في المأكل والمشرب والملبس وما إليها من الأمور البسيطة، بل وسّعه بعدم الإسراف بالقيم المجردة والأمور المعنوية مثل الفكر والاستعداد والقابلية والوقت والزمن والنفْس والنفَس. وقد ساغ أسلوب هذه المحاسبة الدقيقة التي عاشها طوال حياته وجعلها سجية من سجاياه لطلابه كافة. وعلى هذا يصعب تلقين الأفكار أياً كانت واستقراء الكتب كيفما اتفق لطالب النور. وذلك ان بؤرة قلبه المتضمن لكلمة (إحذر!) هي أقوى محافظ له في مسيرته.
وهكذا أثبت النورسي بما أنشأ من رعيل طاهر أنه من نوادر الخلق وأنه مصلح قدير ومرب عليم بمداخل النفس الإنسانية ومساربها، واضاف صحيفة واسعة مسطورة بنور لامع لتاريخ الإقتصاد.
التواضع والتجرد:
هاتان الصفتان لهما تأثير بالغ الأهمية في انتشار رسائل النور في أرجاء المعمورة، لأن الأستاذ النورسي لم يحط نفسه بهالة (قطب العارفين) ولا برونق (غوث الواصلين) لذا أحبّته القلوب وسعت له