السيرة الذاتية | الفصل الأول | 49
(43-71)

قالت: إن الحيات في السماء شفافة كالزجاج تشف عما في بطنها.
كنت أتذكر هذه الحادثة كثيراً و أسائل نفسي: كيف تدور خرافة بعيدة عن الحقيقة إلى هذه الدرجة على لسان والدتي الحصيفة الجادة في كلامها؟.
ولكن حينما طالعت علم الفلك رأيت أن الذين يقولون كما تقول والدتي، قد تلقوا التشبيه حقيقةً واقعيةً؛ لأن الفلكييـن شبهوا القوسين الناشئين من تداخل دائرة الشمس، وهي منطقة البـروج ومدار درجاتها، مع دائرة القمر وهي ميل القمر ومدار منازله، شبهوهما تشبيهاً لطيفاً بحيتين ضخمتين، وسموهما تنينين، وأطلقوا على إحدى نقطتي تقاطع تلك الدائرتين (الرأس) والأخرى (الذنب). فحينما يبلغ القمر الرأس والشمس الذنب تحصل حيلولة الأرض -كما يصطلح عليها الفلكيون - أي: تقع الأرض بينهما تماماً، وعندها يخسف القمر. أي كأن القمر يدخل في فم التنين، حسب التشبيه السابق.
وهكذا عندما سرى هذا التشبيه العلمي الراقي بمرور الزمن إلى كلام العوام غدا التشبيه تنيناً عظيماً مجسماً يبتلع القمر!.(1)
وفي حوالي التاسعة من عمري وجميع الاهلين وأقاربي ينتسبون إلى الطريقة النقشبندية ويستمدون من شيخ مشهور هناك هو (الغوث الخيزاني)(2) كنت على خلافهم أقول: أيها الشيخ الگيلاني اقرأ لك سورة الفاتحة جد لي ما ضيعته من جوز مثلاً او أي شئ تافه آخر. وانه لأمر عجيب فوالله لقد أمدني الشيخ بدعائه وهمته ألف مرة. ولهذا ما قرأت من أوراد وأذكار طوال حياتي الاّ و أهديتها اولاً إلى حضرة الرسول الأعظمy ثم إلى الشيخ الگيلاني، وعلى الرغم من أنني منتسب إلى الطريقة النقشبندية بثلاث جهات(3) فإن محبة الطريقة القادرية ومشربـها يجري فيّ حكمه دون اختيار مني. الاّ أن الانشغال بالعلم كان يعيق الاشتغال بالطريقة الصوفية.(4)
ومع ذلك كنت احمل حالة روحية تتسم بالفخر و الاعتـزاز، يوم كنت في العاشـرة من عمري، بل حتى أحياناً بصورة حب للمدح والثناء. فكنت

(1) اللمعات/138 ، الكلمات/860 ، صيقل الإسلام - محاكمات/ 40.
(2) هو الشيخ صبغة الله الارواسي وهوخليفة السيد طه النهري الذي هو خليفة مولانا خالد النقشبندي.
(3) حيث إن والديه واستاذه منتسبون الى هذه الطريقة.
(4) اللمعة الثامنة

لايوجد صوت