أتقلد طور بطل عظيم ورائد كبير وصاحب عمل عظيم خلاف رغبتي. فكنت أقول لنفسي:
ما هذا الظهور والاختيال ولاسيما في الشجاعة، وأنت لا تساوي شروى نقير؟ فكنت حائراً وجاهلاً بالجواب.
ولكن منذ شهرين، أجيبت تلك الحيرة، بأن رسائل النور كانت تُشعر بنفسها بحس مسبَق. أما أنت فلست الاّ بذرة صغيرة لا تساوي شيئاً ولكن لإحساسك قبل الوقوع تعدّ تلك العناقيد الفردوسية (رسائل النور) كأنها ملكك، فتزهو وتتباهى.
أما قريتنا (نورس) فان أهلها و طلابي القدامي يعرفون: ان أهالينا كانوا يحبون المدح والثناء عليهم كثيراً لإظهارهم أنهم السابقون في الشجاعة والإقدام. فيرغبون تقلّد طور البطولة وكأنهم قد فتحوا مملكة كبيرة.
فكنت اعجب من نفسي ومن طورها هذا. والآن عرفت السر بإخطار حقيقي:
ان أولئك النورسيين، يتباهون لأن قريتهم (نورس) ستكسب فخراً عظيماً بنور رسائل النور. حتى ان الذين لم يسـمعوا باسم الولاية والناحية سيعرفون تلك القرية باهتمام بالغ. فهؤلاء النورسيون يظهرون شكرانهم -بحس مسبق- لتلك النعمة الإلهية على صورة زهو وتباهٍ.
نعم انه عندما كان جميع كردستان يتخذ وضع المفتخر المختال بغزارة الطلاب والأئمة والعلماء المتخرجين بهمة وجهود (الشيخ عبدالرحمن تاغي)(1) الشهير والملقب بـ(سيدا)(2) في ناحيتنا (إسپاريت) التابعة لقضاء (خيزان) كنت اشعر بينهم ايضاً ضمن تلك المناظرات العالية والهمة العالية والدائرة الواسعة العلمية والصوفية، كأن أولئك العلماء سيفتحون الأرض كلها. فكنت استمع -وأنا لم أتجاوز العاشرة من عمري- مناقب العلماء القدامى المشهورين و الأولياء العظام و السـادة الأقطاب، ويرد إلى قلبي: ان هؤلاء الطلاب العلماء سيفتحون آفاقاً عظيمة في العلم والدين. إذ لو تفوق أحدهم بشئ من الذكاء فالاهتمام يوجّـه إليه، وان ظهر أحدهم في مسألة لدى مناظرة علمية يفتخر ويزهو كثيراً. فكنت أتحير من هذا، إذ كانت عندي تلك المشاعر ايضاً. حتى كان بين شيوخ الطرق الصوفية وضمن دائرتهم في ناحيتنا وقضائنا وولايتنا
(1) 1247-1304/ 1888م
(2) تطلق هذه الكلمة في الولايات الشرقية على العلماء الأفاضل.