الاهلين وتسد مصاريفهم من أموال الزكاة. أقول اني على قناعة تامة الآن من ان حكمة هذا الأمر هي:
عدم جعل رسائل النور - التي هي خدمة سامية خالصة للإيمان والآخرة - في آخر أيامي وسيلة لمغانم الدنيا، وعدم جعلها ذريعة لجرّ المنافع الشخصية.
فلأجل هذه الحكمة اُعطيتْ لي هذه الحالة، حالة النفور من تلك العادة المقبولة وتلك السجية غير المضرة، والهروب منها، وعدم فتح يد المسألة من الناس. فرضيتُ بالعيش الكفاف وشدة الفقر والضنك. وذلك لئلا يفسد الإخلاص الحقيقي الذي هو القوة الحقيقية لرسائل النور.
واشعر كذلك ان في هذا الأمر إشارة فيها مغزى، بأن هذه الحاجة هي التي تدفع أهل العلم إلى الانهماك بهموم العيش حتى يُغلبوا على أمرهم في الزمان القابل.(1)
1891م (1308هـ)
بشارة الرسول الكريمy:
ظل مدة في (نورشين) ثم انتقل إلى (خيزان) ثم ترك الحياة الدراسية وعاد إلى كنف والديه في قرية (نورس) وظل فيها حتى اخضرّ الربيع.
وفي هذه الأثناء رأى فيما يرى النائم: أن القيامة قد قامت، والكائنات بعثت من جديد. ففكر كيف يتمكن من زيارة الرسول الأعظمy، ثم تذكر أن عليه الانتظار في بداية الصراط الذي يمرّ عليه كل فرد، فأسرع إليه.. وهكذا مرّ به جميع الأنبياء و الرسل الكرام فزارهم واحداً واحداً وقبّل أيديهم وعندما حظي بزيارة الرسول الأعظمy هوى على يديه فقبلها ثم طلب منه العلم. فبشّره الرسولy: (سيوهب لك علم القرآن ما لم تسأل احداً).(2)
فجّرت هذه الرؤيا شوقاً عظيماً فيه نحو طلب العلم. فاستأذن والده للذهاب إلى ناحية أرواس لتلقي العلم من الملا محمد امين افندي ولكن عندما أوصى الأخير أحد طلابه بتدريسه شعر سعيد الصغير بأنه قد ترفّع عن تدريسه فثقل عليه الأمر وحزّ في نفسه، حتى إنه اعترض على أستاذه في إحدى الدروس قائلاً:
(1) الملاحق - اميرداغ 2 / 361
(2) ورؤيا مشابهة لهذه سجلها الأستاذ في ختام بحثه حول أهمية القرآن وهيمنته في صيقل الإسلام - السانحات/350.