مسابقة تثير الحيرة لم اقف عليها في مدن أخرى إلى هذا الحد.(3) فإن شئت فاذهب بخيالك إلى مجلس (سيدا) قدّس سره في قرية (نورشين).. وما أظهرت من المدنية الإسلامية بصحبته القدسية، تَرَ فيها ملوكاً في زي الفقراء وملائكة في زي الأنـاسي. ثم اذهب إلى (باريس) وادخل في لجنة الأعاظم تَرَ فيها عقارب، تلبسوا بلباس الأناسي، وعفاريت تصوروا بصور الآدميين.(4)
1885م (1303هـ)
خطواته نحو العلم وشيوخه:
أقسم بالله إن ارسخ درس أخذته، وكأنه يتجدد عليّ، إنما هو تلقينات والدتي رحمها الله ودروسها المعنوية، حتى استقرت في أعماق فطرتي واصبحت كالبذور في جسدي، في غضون عمري الذي يناهز الثمانين رغم اني قد أخذت دروساً من ثمانين ألف شخص،(1) بل أرى يقينا ان سائر الدروس إنما تبنى على تلك البذور. بمعنى اني أشاهد درس والدتي - رحمها الله - وتلقيناتها لفطرتي وروحي وأنا في السنة الأولي من عمري، البذور الأساس ضمن الحقائق العظيمة التي أراها الآن وأنا في الثمانين من عمري.(2)
وكانت بداية تحصيل العلم سنة 1885م ( 1303 هـ) بتعلّم القرآن الكريم(3) ((حيث ساقته حالته الروحية إلى مراقبة ما يستفيضه أخوه الكبير عبدالله من العلوم فأعجب بمزاياه الراقية وتكامل خصاله الرفيعة بتحصيله العلوم، وشاهد كيف انه بزّ أقرانه في القرية وهم لا يستطيعون القراءة والكتابة. فدفعه هذا الإعجاب إلى شوق عظيم جاد لتلقي العلم؛ لذا شدّ الرحال إلى طلبه في القرى المجاورة لـ(نورس) حتى حطها في قرية تاغ عند مدرسة الملا محمد أمين أفندي إلاّ أنه لم يتحمل المكوث
(3) الملاحق - اميرداغ 1 / 254
(4) المثنوي العربي النوري/ 181
(1) أي أنه قد أخذ الدرس من كل ما حوله حتى من الذباب ، حيث يقول:" اني رأيت نفسي مغرورة بمحاسنها. فقلتُ: لا تملكين شيئاً!. فقالت: فاذاً لا اهتم بما ليس لي من البدن.. فقلت: لابد ان لا تكوني اقل من الذباب.. فان شئتِ شاهداً فانظري إلى هذا الذباب، كيفَ ينظِّفُ جناحَيهِ برجليهِ ويمسحُ عينيه ورأسه بيديه! سبحان من ألهَمَه هذا، وصيّره استاذاً لي وأفحمَ به نفسي!". المثنوي العربي النوري/ 168.
(2) اللمعات/309
(3) الشعاع الأول