استمع مرة إلى الدرس، فحسبه درساً سياسياً، لجهله باللغة التركيـة، ومنعني مرة واحدة فقط ولكنه سمح لي بعد ذلك. ثم إننا جعلنا غرفة في الثكنة التي كنا فيها مسجداً لأداء الصلاة جماعةً، وكنت ائم الجماعة، ولم يتدخلوا في ذلك قط. ولم يمنعونا من الاختلاط والاتصال بعضنا مع البعض ولم يقطعوا عنا المراسلات.(5)
ولما كنت مع تسعين من ضباطنا -في الحرب العالمية السابقة- أسرى معتقلين في ردهة طويلة، في شمالي روسيا. كنت لا أسمح بالضوضاء والصخب بإسداء النصح لهم، إذ كانوا يحترمونني بما يفوق قدري بكثير. ولكن على حين غرة أثار الغضب الناشئ من توتر الأعصاب والانقباض المستولي على النفوس مناقشات حادة. فقلت لبضعٍ منهم: اذهبوا إلى حيث الضجيج والصياح، وساندوا المبطل دون المحق. وقد قاموا بدورهم. فانقطع دابر المناقشات الضارة.
ثم سألوني: لِمَ قمت بهذا العمل الباطل؟.
قلت لهم: ان المحق يكون منصفاً يضحي بحقه الجزئي في سبيل راحة الآخرين ومصلحتهم التي هي كثيرة وكبيرة. أما المبطل فهو على الأغلب مغرور وأناني لا يضحي بشئ، فيزداد الصخب!.(1)
سجية تحير العقول:(2)
[يروي أحد الشهود هذه الحادثة قائلاً:]
عندما جُرحت واُسرتُ في موضع (بتليس) في الحرب العالمية الأولى، وقع بديع الزمان ايضاً في اليوم نفسه أسيراً. فاُرسل إلى اكبر معسكر للأسرى في سيبريا، واُرسلتُ إلى جزيرة (نانكون) التابعة (لباكو).
ففي يوم من الأيام عندما يزور نيقولا نيقولافيج المعسكر المذكور للتفتيش - يقوم له الأسرى احتراماً - وعندما يمر من أمام بديع الزمان لا يحرك ساكناً ولا يهتم به، مما يلفت نظر القائد العام، فيرجع ويمر من أمامه بحجة أخرى، فلا يكترث به ايضاً. وفي المرة الثالثة يقف أمامه، وتجري بينهما المحاورة الآتية بوساطة مترجم:
- أما عرفني؟
-----------------------
(5) المكتوبات/ 94
(1) الشعاعات/ 379
(2) هذا المقال نشر في مجلة "اهل السنة" الصادرة باستانبول في15 تشرين الأول 1948 بقلم صاحبها المحامي عبد الرحيم زابصو.