السيرة الذاتية | السنوات الأخيرة في إسثارطة | 468
(441-494)

السجون صارت مدارس يوسفية بهمته. سعيد النور جعل السجون نوراً، والقلوب نوراً. وذاب عتاة القتلة وأعداء الاستقرار والأخلاق القساة امام صرح الإيمان هذا، كأنهم خلق جديد، مؤمنون سلَمٌ للناس ومواطنون خيرون. فهل استطاعت مدارسكم ومناهج تربيتكم ذلك؟ ام تستطيع؟ غّربوه ونفوه من بلد إلى بلد.. فصار كل بلد نفي اليه وطنًا له، واحاط به مؤمنون انقياء واطهار حيثما حلّ وغُرّب. وعجزت القوانين والممنوعات والشرطة والجندرمة وجدران السجون السميكة عن التفريق بينه وبين اخوته المؤمنين، فتحولت الكثافة المادية المتراكمة بين المرشد الكبير وطلابه إلى لطائف بفضل الدين والعشق والإيمان. وخلفت تهديدات وتحديدات القوة العمياء والمادة الميتة امواجاً متلاطمة في بحار عالم الروح، وماجت من حجرات القرى لتحيط باطراف الأرض وتدق ابواب الجامعات.
هرع ابناء الوطن الذين انتهكت مقدساتهم زمناً طويلاً، والاجيال الذين حُكم عليهم بالفناء، والمتلهفون للايمان، إلى سبيله، وإلى نوره. طافت رسائل النور للاستاذ من يد إلى يد، ومن لسان إلى لسان، ومن بلد إلى بلد، واقتبس كل شاب او هرم، كل امي او متعلم، كل صغير او كبير، بقبس من ذلك النور. وصار كل طالب ماكنة او مطبعة فتحدى الإيمان التقنية، فكتبت رسائل النور واستنسخت آلاف النسخ.
وفزع العمي الذين انطفأت بصائرهم وانوار ارواحهم وصاروا خرائب، من هذا النور والضياء، فساقوا الرجل العزيز إلى المحاكم بحجة مخالفة الثورة والعلمانية -التي لا يملون من تردادها- وقادوه إلى السجون. بل حاولوا قتله بالسم مراراً، فصارت سمومهم ترياقاً... والسجون مدارس. وتجاوز نوره، نور القرآن، نور الله، حدود الوطن وسرى في ارجاء العالم الإسلامي. ان في تركيا الآن قوة ينبغي ان تقف ازاءها باحترام كل الهيئات وجميع المواطنين المحبين لوطنهم، هي سعيد النور وطلابه. انهم ليسوا جمعية ولا هيئة ولا حزباً، وليس لهم ارض ولا مقرات، ولا يرفعون اصواتهم بالضجيج والخطب والمظاهرات والمهاترات. انهم زحام الجمع المؤمن الثابت الواعي من المجهولين العارفين الناذرين انفسهم لهذه الدعوة العظيمة.



سنة 1953
بعد براءة الأستاذ سعيد النورسي من محكمة استانبول، عاد إلى (اميرداغ).
وفي أحد ايام رمضان خرج وحده يتجول في الحقول المحيطة بالمدينة وعريف شرطة مع ثلاثة من افراده يتعقبونه.

لايوجد صوت