ومحاكم البلاد. لم يبق صنف من الآلام والمصاعب لم اتجرعه. عوملت معاملة المجرمين في المحاكم العسكرية العرفية، ونفيت وغربت في ارجاء البلاد كالمشردين. وحرمت من مخالطة الناس شهوراً في زنزانات البلاد. وسُمّمت مراراً. وتعرضت لإهانات متنوعة. ومرت عليّ اوقات رجحت الموت على الحياة ألف ضعف. ولولا ان ديني يمنعني من قتل نفسي، فربما كان سعيد تراباً تحت التراب.
انا لا اطيق ذلاً ولا اهانة بفطرتي وجبلتي. العزة والشهامة الإسلامية تمنعني بشدة من هذه الاحوال. فاذا تعرضت إلى مثل هذا الحال، لا اطأطئ رأسي مهما كان الذي يواجهني، سواءٌ ان كان جباراً اشد الناس ظلماً او قائداً عدواً سفاحاً للدماء، بل القي بظلمه ودمويته على وجهه.، ولا ابالي إن رماني في غياهب السجن او قادني إلى منصة الاعدام. وهذا ما وقع، وما جرى علي فعلاً. ولو صبر قلب ذلك القائد الدموي ووجدانه على الظلم دقائق أخرى لكان سعيد قد شنق والتحق بزمرة الأبرياء المظلومين.
هكذا انقضت حياتي كلها في نصب ومشقة، ونكبة ومصيبة. لقد افتديت نفسي ودنياي في سبيل ايمان المجتمع وسعادته وسلامته. فهنيئاً وحلالاً طيباً. حتى في دعواتي لا ادعو الله عليهم. فبهذه الاحوال صارت رسائل النور وسيلة لإنقاذ ايمان مئات الالوف في الاقل، ربما الملايين -هكذا يقولون- فانا اجهل عددهم، المدعي العام بآفيون ذكر أنهم خمسمائة ألف او يزيدون. بالموت كنت انجو وحدي، لكن ببقائي في الحياة وصبري على الصعاب والمشقات خدمت في إنقاذ الإيمان بقدر هذه الانفس. فالحمد لله ألف مرة.
لقد ضحيت حتى بآخرتي في سبيل تحقيق سلامة ايمان المجتمع، فليس في قلبي رغب في الجنة ولا رهب من جهنم، فليكن سعيد بل ألف سعبد قرباناً ليس في سبيل ايمان المجتمع التركي البالغ عشرون مليونا فقط بل في سبيل ايمان المجتمع الإسلامي البالغ مئات الملايين. ولئن ظل قرآننا دون جماعة تحمل رايته على سطح الأرض فلا ارغب حتى في الجنة إذ ستكون هي ايضاً سجناً لى، وإن رأيت ايمان امتنا في خير وسلام فانني ارضى ان اُحرق في لهيب جهنم إذ بينما يحترق جسدي يرفل قلبي في سعادة وسرور.
لقد فاض وجاش حضرته. كان يرمي بشواظ كالبركان ويموج بحر قلبه كالطوفان. ويصب كالشلال اعمق نقاط القلب بمياه زمزمية عظيمة. لقد أخذه حماس زائد، كأنه يخطب من منصة البرلمان، لا يريد ان يقطع عليه الكلام انسان. احسست بالتعب الذي اصابه، فرأيت ان اغير هذا المبحث الحماسي:
- هل انزعجتم في المحكمة؟
- هل في القوانين نص يعدّ تعليم الدين، والتزام نسائنا واخواتنا المحترمات بالمحافظة على عفتهن وشرفهن ضمن دائرة التربية الإسلامية، جريمة؟ فليجب اساتذة الجامعة المشتغلون بهذا العلم وبالحقوق عن مغزى ذلك، ومغزى اتخاذ كلمة الحقيقة الواردة إلى القلب دليلاً على تأسيس نفوذ شخصي.