السيرة الذاتية | السنوات الأخيرة في إسثارطة | 465
(441-494)

الالوف عدداً وانتشروا في ارجاء الوطن كافة، في حادث مخل بالأمن. ان كل طالب لرسائل النور محافظ طبيعي لنظام وانتظام البلاد وحارس للامن والامان.
سألته إن كان تعباً من سفر استانبول، فقال:
- انه لا يقلقني سوى المخاطر المحدقة بالإسلام . إذ كانت المخاطر سابقاً تأتي من الخارج وكانت مقاومتها يسيرة، أما الآن فانها تأتي من الداخل حيث دبت الديدان في الجسد وانتشرت فيه فتعسرت المقاومة. انني اخشى ما أخشاه الاّ تتحمل بنية المجتمع هذا الداء الوبيل، لأنه لا يشتبه بالعدو. إذ يظن من يقطع شريانه ويمص دمه صديقاً. ومتى عميت بصيرة المجتمع إلى هذا الحد فقلعة الإيمان اذن في خطر داهم. لذا لا قلق لي الاّ هذا ولا أضطرب الاّ من هذا. بل ليس عندي زمن اضيّعه في التفكير في التعب والمشاق التي اتعرض لها بنفسي. وليتني اتعرض لألف ضعف من شقائي ويسلم مستقبل قلعة الإيمان.
قلت:
- ألا يمدّكم مئات الالوف من طلابكم بأمل وسلوى للمستقبل؟
- بلى، لم ينقطع رجائي وأملي تماماً..العالم يمر بازمة خانقة وقلق معنوي عظيم. فالمرض الذي دب في جسم المجتمع الغربي وزعزع دعائمه المعنوية كأنه وباء طاعون وبيل. فما الحلول التي يجابه بها مجتمع الإسلام هذا المرض المعدي الرهيب؟ هل بوصفات الغرب النتنة المتفسخة الباطلة؟ أم بأسس الإيمان الحيوية لمجتمع قلعة الإسلام؟ انني ارى الرؤوس الكبيرة سادرة في الغفلة. فقلعة الإيمان لا تسند باعمدة الكفر النخرة، ولهذا ابذل كل جهدي وسعيي في الإيمان وحده.. لذا ركزت جهدي كله من اجل الإيمان فقط.
انهم لا يفهمون رسائل النور، او لا يريدون ان يفهموها. يظنونني شيخ مدرسة جامداً في الأمور الدنيوية المادية. لقد اشتغلت بالعلوم الصرفة والعلوم والفلسفات المعاصرة كلها، وحللت اعقد مسائلها، بل صنفت فيها مصنفات. لكني لا اعترف بالعاب المنطق ولا اصيخ سمعاً لحيل الفلسفة، بل اترنم بجوهر حياة المجتمع، وبوجوده المعنوي وبوجدانه وايمانه. فقد حصرت اشتغالي في أساس التوحيد والإيمان الذي أسّسه القرآن، ألا وان العمود الرئيس لمجتمع الإسلام هو هذا، فاذا تزلزل يضيع المجتمع.
يقولون: لماذا تجرح فلاناً وعلاناً؟ لا ادري. لم أشعر ولم أتبين مما أرى أمامي من حريق هائل يتصاعد لهيبه إلى الأعالي يحرق أبنائي ويضرم إيماني، وإذ أنا أسعى لإخماده وإنقاذ ايماني، يحاول أحدهم إعاقتي، فتزل قدمي مصطدمةً به. فليس لهذه الحادثة الجزئية أهمية تذكر وقيمة أمام ضراوة النار؟ يا لها من عقول صغيرة ونظرات قاصرة!
أيظنونني رجلاً مهموماً بحاله يبغي إنقاذ نفسه؟ لقد افتديت دنياي وآخرتي في سبيل إنقاذ ايمان المجتمع. لم اذق طوال عمري البالغ نيفاً وثمانين سنة شيئاً من لذائذ الدنيا. قضيت حياتي في ميادين الحرب، وزنزانات الأسر، او سجون الوطن

لايوجد صوت