السيرة الذاتية | السنوات الأخيرة في إسثارطة | 467
(441-494)

اخَذَنا الزمان في لقاء الأستاذ مأخذاً، وحين استأذنت للمغادرة كان الوقت متأخراً.

سعيد النور وطلابه
الاديب الشاعر عثمان يوكسل(1)
شيخ كبير السن وذو حظ عظيم. يلتف حوله الناس من عمر ثمان سنوات إلى ثمانين سنة. اعمارهم وعقولهم واشغالهم شتى، لكنهم يجتمعون على شئ واحد: الإيمان بالله، بالله رب العالمين، وبرسوله الكريمy، وبكتابه العظيم. ونرى كل واحد منهم كمن وجد شيئاً بعد ان ضيعه، كأن القرآن يتنزل طرياً. حينما تطّلع على سعيد النور وطلابه، تحس بنفسك في خير القرون. وجوههم نور، باطنهم نور، ظاهرهم نور... وكلهم في حضور واطمئنان. ما أعظم السعادة في ربط الآصرة بخالق الكون العلي القدوس الدائم الحاضر الناظر، وما أجمل السير في سبيله، بل عشق سبيله حتى الوله.
سعيد النور شيخ عاصر ثلاثة عهود وخبر حوادث الزمان، هي نظام المشروطية، وحكومة الإتحاد والترقي، والجمهورية. عهود زاخرة بالتغيير والانقلاب والانهدام. ما من شيئ الا واصابه الهدم، غير رجل واحد ظل منتصباً. رجل قدم إلى استانبول من شواهق الشرق، من حيث تشرق الشمس، يحمل ايماناً راسخاً كالطود. جعل هذا الرجل صدره المفعم بالإيمان سداً منيعاً امام اشرار العهود الثلاثة، ولم يفتأ يدعو إلى الله، ويدعو إلى الرسولy، ولا إلى شئ الا الله والرسول. رأسه شامخ كقمة جبل (ارارات)، لم يطأطئه ظالم، ولم يغلبه عالم. صلب كالصخور، ارادة قوية عجيبة، ذكاء كالبرق. هذا هو سعيد النور. لم تثن المحاكم العسكرية والمدنية والانقلابات والثورات ومنصات الاعدام المنصوبة له واوامر النفي والتغريب، رجل المعنويات العظيم عن طريقه. قاوم كل ذلك بقوة وشجاعة لانهاية لهما نابعتان من الإيمان. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:﴿وانتم الأعلون ان كنتم مؤمنين﴾(آل عمران:133). فكأن كلام الله هذا تجلى في سعيد النور!.
لقد قرأت مرافعاته في المحاكم. لم تكن دفاعاً عن النفس، بل دفاعاً عن دعوة عظيمة، وشواهد ومعلقات للجلادة والجرأة والذكاء.
لماذا تسنم سقراط موقعاً مرموقاً؟ اليس بسبب استصغاره الحياة من اجل الفكر؟ سعيد النور يعدل سقراط في الاقل! لكن أعداء الإسلام سعوا إلى تعريفه بصفة (رجعي) و(متعالم). ففي نظرهم ينبغي للرجل السامق ان يكون اجنبياً! لقد اقتيد من محكمة إلى محكمة، لكنه كان يحكم وهو محكوم. وانتقل من سجن إلى سجن، لكن

---------------------

(1) 1917-10/9/1983م. صحفي وكاتب جرئ أصدر مجلة Serdengectı أي "الفدائي" تكشف فضائح العلمانية بلهجة قوية فما أصدر منها عدداً أو عددين إلا وسيق الى السجن فما صدر منها طوال (1947-1962) سوى (33) عدد. انتخب نائباً في البرلمان ( 1965-1969). له مؤلفات عديدة

لايوجد صوت