كان الأستاذ متمدداً على ظهره في المقعد الخلفي للسيارة والمرض قد اشتد عليه. اخذناه باحضاننا لنخرجه من السيارة. وعندما صعدنا السلم اردنا ان نحمله على ظهورنا، فلم يقبل. فادخلنا -انا والاخ طاهري- ايدينا تحت ابطه حتى اوصلناه إلى الغرفة، واجلسناه مكانه ثم تمدد في فراشه. كانت درجة حرارته عالية جداً، لذا لم نفارقه قط، حتى اننا كنا نصلي فرادى كي نتناوب البقاء معه للرعاية والسهر عليه.
كنا نحن الاربعة (انا و زبير(2) وحسني و طاهري) عند الأستاذ. وفي منتصف الليل كنت انا مع الاخ زبير نتناوب الخفارة عنده. فيرخى احدنا يده ويدلكها والاخر يدلك رجليه. فنظر الأستاذ اليّ قائلاً:
- سنذهب.
- نعم سنذهب يا استاذي، ولكن إلى اين؟.
- إلى (اورفة)... إلى (دياربكر)...
وكرر قوله: سنذهب.
ولما قلت: إلى اين يااستاذي؟
- إلى (اورفة).
قال الاخ (زبير): ربما يقول هذا تحت وطأة الحمى التي تنتابه!
وفي حوالي الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل بدأ الأستاذ يكرر القول نفسه:
- سنذهب في الصباح الباكر إلى (اورفة)..
فكان يؤكد على (اورفة).
ثم جاء الاخ (طاهري) وحسني لكي يستلما دورهما في الخفارة. وذهبنا انا والاخزبير لتناول السحور (حيث كنا في العشر الاواخر من رمضان المبارك)..
ولقد قال الأستاذ ايضاً إلى الاخ (حسني)
- تهيأوا للذهاب إلى (اورفة).
ولكن الاخ حسني بين ان اطارات السيارة لاتصلح للسفر.
وكرر الأستاذ مرة أخرى:
--------------------
(2) ولد في قضاء "أرمنك" التابع لولاية "قونيا" سنة 1920 ظل عشر سنوات ملازماً للاستاذ وفي خدمته ليل نهار حتى وفاة الاستاذ النورسي. توفي في 2/4/1971 رحمه الله رحمة واسعة.