فيه حتى بعدد الازهار والاثمار، ليُمكن تَشكّل هاتيك الازاهير والثمرات المتخالفة الجهازات والماهيات.. وإمّا فَرضُ وجودِ قدرةٍ قادرةٍ على تصنيع جميع النباتات، ووجودِ علمٍ بلا نهاية محيطٍ بتفاصيل جميع خواص جميع الاشجار والمتزهرات وجهازاتها وموازينها، في كل جزء من التراب والماء والهواء؛ اذ كل جزء من هذه الثلاثة يَصلَح انْ يصير منشأ لتشكل كل النباتات او اكثرها.
فافرض قصعة تراب، ثم افرض دخول كل بذر ونواة فيها على التعاقب، ثم افرغ القصعة واملأها من صُبْرَةِ(1) التراب حتى تكيل كل التراب، ترى النتيجة واحدة. على ان المشهود يكفيك؛ اذ تُشاهد في سيرك في الارض منشأية اكثر اجزاء التراب لأكثر النباتات، مع ان تشكل كل واحدٍ واحدٍ من النباتات المزهرة والمثمرة، مخالف لكل واحدٍ واحدٍ منها؛ وكل واحد منها له من الانتظام والاتزان والامتياز طرز خاص وخصوصية تستلزم جهازات مخصوصة، وماكينة خاصة، ومطبعة تخصه، بل تستلزم وجود كل جهازات تشكيل تمام الشجرة والنبات في كل واحد من نواته وبذره، مع بساطة البذور والنواتات(2) وتشابهها. فيلزم على الطبيعة ان تُحضر معنىً جهازات تشكل كل الاشياء وماكيناتها المعنوية واسبابها في كل شئٍ شئٍ. فهذه سفسطة يتنفّر منها السوفسطائي ايضاً، وخرافة يخجل منها من يُضحِكُ الناس بنقل الخرافات.
اللمعة الخامسة:
انظر! كما ان كل حرف من كتاب يدل على نفسه بمقدار حرف وبوجه واحد، لكن يَدُل على كاتبه بوجوه ويعرّفُ نقّاشه بمقدار سطر(3)..
-----------------------
(1) صُبْرة : ما جمع من الطعام بلا كيلٍ و لا وزن.
(2) تجمع النواة : نوى ، ونويات ، وانواء ، ونوى . اما هنا فقد جمعت جمعاِ مؤنثا سالما.
(3) اي كأن يقول : ان كاتبي يتقن اللغة ويحسن الكتابة ويملك القلم .. وهكذا.