كذلك كلُّ حرف مجسمٍ من كتاب الكائنات يدل على نفسه بمقدار جِرمه ويُظهر ذاته بمقدار صورته، لكن يدل على صانعه بوجوه كثيرة، افراداً وتركيبا بدخوله في المركبات. ويُظهر اسماءَ صانعه ويُنشد في بيانها بمقدار قصيدة طويلة؛ فعلى هذا لو تحَمَّقَ احدٌ كالهبنّقة(1) فانكر نفسه وانكر الكائنات، ينبغي ان لا يتجاسر باظهار نهاية البلاهة على انكار الصانع.
اللمعة السادسة:
انظر! كما ان الصانع سبحانه وضع على كل جزئي ٍجزئي ٍ خاتمه الخاص، وضرب على كل جزءٍ جزءٍ سكّته المخصوصة - كما مرّ - كذلك وَضَع على كل نوع نوع وعلى كل كُلٍ كُلٍ خاتمه الخاص، وخَتم اقطار السموات والارض بخاتم الواحدية، وضرب على مجموع العالم سكة الاحدية بصورة جلية واضحة.
فانظر الى خاتمه الذي اشارت اليه آية: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(الروم:50). إذ في كيفية إحياء الارض حشرٌ عجيب، ونشر غريب، يُحشَرُ في إحيائها ازيد من ثلاثمائة ألف نوع، تُساوي افرادُ نوع ٍواحد - من كثير من تلك الانواع - في السنة مجموع افراد الانسان في الدنيا؛ لكن لحكمة خفية لاتعادُ في الأكثر بأعيانها، بل بأمثالها بمثليةٍ كالعينية!.. وكيفما كان فلا بأس في دلالتها على سهولة حشر البشر، وفي كونها امثلة النشر واشارات الحشر.
فإحياء تلك الانواع الكثيرة المختلطة المشتبكة في نهاية الاختلاط والاشتباك بنهاية الامتياز، واعادتها في كمال التمييز، بلا خطأ ولا
-------------------
(1) أحمقَ من هبنّقة مثل يضرب لشدة الحماقة . حيث (هبنقة) ما كان يعرف الاّ نفسه، ولا يعرف نفسه الاّ بقلنسوته، واذا ما رآها على رأس احد ظنّ انه نفسه ! (مجمع الامثال للميداني).